إذاً: ما هو الذي ينبغي لك أيها المسلم؟ ينبغي لك إذا رأيت المقصر أن تجلس معه قليلاً وتقول له: يا أخي! اتق الله, أما علمت أن الصلاة هي عمود الدين, وهي الصلة العظيمة بين العبد وبين ربه؟ أما سمعت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة} ويقول أيضاً: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} أما علمت -يا أخي- أن تارك الصلاة لا يغسل إذا مات, ولا يكفن, ولا يصلى عليه, ولا يدفن في مقابر المسلمين, ولا يدعى له بالرحمة فلعله إذا سمع هذا الكلام أن يرعوي وأن يتوب إلى الله عز وجل من تقصيره، ويبادر إلى أداء الصلوات, ويكون هذا برفق ولين، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
أما إن كان يصلي ولكنه يتهاون بها, فقل له: يا أخي! أما سمعت الله عز وجل بماذا توعد المتهاونين عن الصلاة؛ توعدهم بويل، وهو شدة العذاب، أو وادٍ في جهنم, وأنا أسأل الله عز وجل ألا تكون معهم في هذا الوادي، فبادر يا أخي بالصلوات الخمس.
وهذا رجل من إخوانكم -جزاه الله خيراً- سكن بجوار رجل من الناس، وإذا بهذا الجار لا يصلي ولا يعرف المسجد, ففكر هذا الرجل بأي شيء يأتي به إلى المسجد؟ فطرق عليه الباب وجلس عنده قليلاً، ودار الحديث بينهما، حتى عرف كل واحد منهما صاحبه, ولما استأنس به قال له: يا أخي! أنا جارك منذ شهر، وتفوتني الصلاة -مع أنه لا تفوته الصلاة، لكن اسمعوا إلى النهاية- وأريد منك أن توقظني لصلاة الفجر.
وهذا لا يعرف الصلاة أبداً ولا يعرف المسجد, فعند ذلك أصيب بحيرة, ماذا يعمل؟ هل يقول: أنا لا أصلي؟ لا يمكن أن يقول: أنا لا أصلي، ولا أعرف المسجد ولكن قال: إن شاء الله.
فسهر الليل كله حتى يوقظ هذا الجار ليذهب هو وإياه إلى المسجد, مع أن جاره مستيقظ ولله الحمد، ولكن انظروا -أيها الإخوة- إلى فائدة الدعوة بالحكمة, فلما أذن الفجر طرق عليه الباب وخرجا إلى المسجد جميعاً، فاستمرا على هذه الحال, وبعد مدة اجتمع به جاره الذي كان لا يصلي وقال: يا أخي! جزاك الله خيراً، والله إني كنت لا أعرف المسجد ولا أصلي، والآن قد صرت عوناً لي على طاعة الله.
قال: وأنا -ولله الحمد- أخبرك أني لست بحاجة إلى أن توقظني، ولكن أردت أن أتعاون أنا وإياك على الخير فنعم هذا التعاون، ولو سلكه الجميع لانتشر الخير والبركة.
وإذا أتينا إلى الآخر وهو في المجلس وجدناه يقول: رأيت فلان بن فلان يسحب ثوبه وراءه كأنه امرأة ماذا قلت له؟ قال: والله لم أقل له شيئاً, إنما أتى ليغتابه في المجلس, مع أن الواجب عليه لما رأى هذا المنكر أن يأمره بالمعروف, والمعروف أن يبين له أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم فجعل يكررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟ فذكر منهم: المسبل} وقال صلى الله عليه وسلم: {من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه} وقد يقول البعض: أنا لم أسحبه خيلاء.
وإذا قيل له: لماذا إذاً؟ قال: من أجل الزينة.
والزينة من عادة النساء، فاتق الله يا عبد الله! إن كنت تريد الزينة فأنت تشبهت بالنساء؛ لأنهن أمرن أن يرخين ذيولهن شبراً, فإذا أرخيت الثوب فقد تشبهت بالنساء وإذا قال: لا أنا لم أجره خيلاء, فنقول له: اسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار}.
نعوذ بالله من النار، والنار لا تأكل الخرق ولكنها نار وقودها الناس والحجارة فلعله أن يتوب ويرعوي ويقصر ثوبه ويهتدي؛ فيكون في ميزان حسناتك يوم القيامة, وتحظى أيضاً بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.
وبعض الناس إذا جلسوا في المجالس تحدثوا: رأينا زوجة فلان! ورأينا بنت فلان مع السائق! ماذا يريدون من هذا؟ يريدون التشهير بهذا الرجل, فلو أخذوا بيد هذا الرجل وقالوا له: اتق الله يا فلان! لماذا تدع الحبل على الغارب لابنتك وامرأتك مع السائق؟ أما علمت أن هذا منكر؟ وأن هذا لا يرضاه الله بل يبغضه ويأباه, أما سمعت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} وقد يقول هذا الرجل الذي أتى بالسائق: أنا أتيت بهذا السائق، وهو رجل طيب ذو دين.
فنقول له: اسمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الصحابة رضي الله عنهم: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} يخاطب الصحابة الذين هم أطيب منَّا قلوباً، وأفضل القرون بعد نبينا صلى الله عليه وسلم, يخاطبهم ويقول: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} فإن أبيت ورأيت المنكر بأهلك وأقررت ذلك فسوف تحرم من الجنة, لماذا؟ لأن الجنة لا يدخلها ديوث, والديوث: هو الذي يقر الخبث في أهله, نسأل الله العفو والعافية.
قل له هذا الكلام؛ لعله أن يرعوي ويتوب إلى الله عز وجل.
والبعض من الناس إذا جلسوا في المجالس قالوا: سمعنا فلان بن فلان يسمع الأغاني.
فنقول لهم: أيها الإخوة في الله! هل جلستم معه قليلاً فنصحتموه في الله؟ قالوا: لا.
ما جلسنا معه، فلو جلستم معه قليلاً وقلتم له: يا أخي! اتق الله.
فإن الغناء بريد الزنا، والغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل, ولا تكن ممن أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يحصل منهم هذا الأمر الخطير في آخر الزمان حيث قال: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فلا تكن منهم يا عبد الله, بل كن من خير أمة أخرجت للناس كن من الطائفة الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله كن من الغرباء الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {فطوبى للغرباء! قيل: من هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس, أو يُصلحون ما أفسد الناس}.