الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة, وتركها على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه.
عباد الله: تأهبوا ليوم القيامة, هل نسيتم يوم القيامة وما فيها؟
ما هي هذه الغفلة؟ ما هذا الإعراض؟
أين التناصح في الله؟ أين الأمر بالمعروف؟ أين النهي عن المنكر؟
أما علمتم أن أمامكم يوم القيامة وسوف تحاسبون فيه على تفريطكم وتندمون على إهمالكم؟ فاسمعوا يا عباد الله:
وإن أمام الناس حشر وموقف ويوم طويل ألف عام وأطول
فيا لك من يوم على كل مبطل فظيع وأهوال القيامة تعضل
تكون به الأطواد كالعهن أو تكن كثيباً مهيلاً أهيلاً يتهلهل
به ملة الإسلام تقبل وحدها ولا غيرها من أي دين فيبطل
به يُسألون الناس ماذا عبدتم وماذا أجبتم من دعا وهو مرسل
حساب الذي ينقاد عرض مخفف ومن ليس منقاداً حساب مثقل
ومن قبل ذاك الموت يأتيك بغتة وهيهات لا تدري متى الموت ينزل
كئوس المنايا سوف يشربها الورى على الرغم شبان وشيب وأكهل
حنانيك بادرها بخير فإنما على الآلة الحدبا سريعاً ستحمل
إذا كنت قد أيقنت بالموت والفنا وبالبأس عما بعده كيف تغفل
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى أبن يوم الجزا كيف تفعل
أترضى بأن تأتي القيامة مفلساً على ظهرك الأوزار بالحشر تحمل
أيصلح إيمان المعاد لمنصف وينسى مقام الحشر من كان يعقل
والله لا ينسى ذلك أحد -يا عباد الله- واسمعوا إلى قول رب العزة والجلال وهو يحذركم من الغفلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] ما قدمت لغد يا عبد الله؟ ما قدمت ليوم القيامة؟ أتدري ما هو غد يا عبد الله؟ هو يوم القيامة, يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] ثم اسمع إلى الإنذار, اسمع إلى رب العزة والجلال ينذرك ألا تكون مثل الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19].
ثم استمع -يا عبد الله- إلى الفرق: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر:20] ميز بعقلك يا مسكين هل يستوون؟! لا.
ورب العزة والجلال لا يستوون: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20].
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه يقول: {الكيّس من دان نفسه, وعمل لما بعد الموت, والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني}.
عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين.
اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة, اللهم أيقظنا من غفلاتنا, اللهم وفقنا لاغتنام أوقات المهلة قبل أن يهجم علينا هادم اللذات, وننقل إلى تلك الحفر, فلا ينفع والله في تلك الحفر إلا ما قدمت يا بن آدم, إن خيراً فخير, وإن شراً فشراً, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم وفقنا وإياهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إنك على كل شيء قدير.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا حي يا قيوم, يا ذا الجلال والإكرام, ارفع عنا الغلاء, والوباء, والربا, والزنا, واللواط, والسفور والتبرج, والتمثيليات, والأفلام والأغاني الماجنات, اللهم طهّر بيوتنا وبلادنا من هذه الفتن يا رب العالمين.
اللهم أحيينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين, غير خزايا ولا مفتونين, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.