إذا عرفنا فائدة التقوى وما فيها من الخير العاجل والآجل في الدنيا والآخرة, فإن ضد ذلك الشقاوة ومن أسبابها عدم الخوف من الله جل وعلا, فإن الله يورث الأشقياء ضنكاً في الدنيا, فلا طمأنينة لقلوبهم, ولا انشراح لصدورهم, بل هي ضيقة حرجاً لبعدهم عن الله عز جل, والله ثم والله إن فيها من الذل والهوان والضيق ما الله به عليم, وإن تنعم ظاهرها, ولبسوا ما شاءوا وأكلوا وشربوا ما شاءوا, وسكنوا حيث شاءوا, وصدق الله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء:77] أهل الشقاوة قلوبهم قلقة؛ لأنها لم يخلص إليها اليقين والهدى, فهي في حيرة وشك, وظلمات تتخبط بها, لماذا؟
لإعراضهم عن اتباع الهدى، واستعمال ما وهبهم الله من الحواس فيما يغضب الله جل وعلا, فلا حفظوا القلوب والأسماع ولا الأبصار, بل أطلقوها فيما حرم الله عليهم, فلذلك ذمهم الله بقوله وتوعدهم: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179].
يا له من وعيد في نار جهنم, ويا له من ذم ما أقبحه, ثم اسمعوا بما وصفهم الله به فقال: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] فكم تتلى عليهم آيات الله؟ قال الله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:105] اسمعوا ماذا يقولون وهم في نار جهنم يعذبون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:106] فيا طول عنائهم! ويا طول مكثهم! ويا لكثرة همهم وغمهم! ويا لكثرة بكائهم وصراخهم وهم ينادون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107] فيجيبهم الله أحكم الحاكمين: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] عند ذلك يزداد بكاؤهم.
فيا عباد الله: تذكروا أهل النار وهم يسحبون في أوديتها, في توابيت من نار, وتذكروا عندما يساقون إليها زمراً قد اسودت وجوههم, وتذكروا عندما تقابلهم الزبانية بالتهديد.
ونار تلظى في لظاها سلاسل يغل بها الفاجر ثم يسلسل
شراب ذوي الإجرام فيها حميمها وزقومها مطعومهم حين يؤكل
حميم وغساق وآخر مثله من المهل يغلي في البطون ويشعل
يزيد هواناً من هواها ولم يزل إلى قعرها يهوي دواماً وينزل
وفي ناره يبقى دواماً معذباً يصيح ثبوراً ويحه يتولول
عليها صراط مدحض ومزلة عليه البرايا في القيامة تحمل
وفيه كلاليب تعلق بالورى فهذا نجا منها وهذا مخردل
فلا مذنب يفديه ما يفتدي به وإن يعتذر يوماً فلا العذر يقبل
فهذا جزاء المجرمين على الردى وهذا الذي يوم القيامة يحصل
فيا ويل من أعرض عن كتاب الله, ويا ويل من غفل عن ذكر الله, ويا ويل من أضاع الصلاة, يا ويل من منع الزكاة, ويا ويل من ارتكب الجرائم والموبقات, ويا ويل من ارتكب الزنا واللواط, ويا ويل من أكل الربا, ويا ويل من غش عباد الله, ويا ويل من أكل الرشوة, ويا ويل من بات وهو مدمن على شرب المسكرات والمخدرات, ويا ويل من قضى وقته في الغيبة والنميمة, ويا خسارة من قضى وقته مع الأفلام والتمثيليات والأغاني الماجنات, إذا استلم الصحيفة -يوم لا ينفع مال ولا بنون- وقد سجلت عليه تلك الخطايا والسيئات, يا لها من فضيحة لا يماثلها فضيحة! ويا لها من خسارة لا يماثلها خسارة! في ذلك اليوم العظيم, يوم العرض الأكبر على الله يوم القيامة: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ:18 - 19] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] يا لك من يوم عظيم على من أضاع أوامر الله, وهنيئاًَ ثم هنيئاً لمن أطاع الله, إذا قال وهو يرفع تلك الشهادة: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24] اللهم اجعلنا ممن يؤتى كتابه باليمين, واجعلنا ممن يرد حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, اللهم واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.