التقوى -يا عباد الله- تحمل العبد على أن يحفظ الرأس وما فيه من السمع والبصر واللسان, أخذاً بقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فلا يسمع إلا إلى الحلال, ولا يطلق بصره إلا إلى ما يحل له, ولا يطلق لسانه إلا فيما ينفع في الدنيا والآخرة.
التقوى تحمل من التزمها أن يحفظ الفرج عما حرم الله عليه من الزنا واللواط, التقوى تحمل من التزمها على أكل الحلال وشرب الحلال ولبس الحلال, التقوى عامل أساسي للمبادرة إلى أداء الواجبات الربانية والقيام بأوامر الله على الوجه المطلوب, التقي بار بوالديه, واصل لأرحامه, محسن إلى الفقراء والمساكين, يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويفشي السلام, ويعود المرضى, ويقوم بحق الجوار, ويؤدي الأمانة, ويفي بوعده, ويؤدي الشهادة على القريب والبعيد والصديق والعدو, ويتحرى العدل في جميع معاملاته, ثم يبين لنا هذا الناصح جزاء المتقين على تقواهم فيقول:
وجنات عدن زخرفت ثم أزلفت لقوم على التقوى دواماً تبتلوا
بها كل ما تهوى النفوس وتشتهي وقرة عين ليس عنها ترحلُ
ملابسهم فيها حرير وسندس وإستبرق لا يعتريه التحللُ
ومأكولهم من كل ما يشتهونه ومن سلسبيل شربهم يتسلسلُ
وأزواجهم حور حسان كواعب على مثل شكل الشمس بل هي أشكلُ
يطاف عليهم بالذي يشتهونه إذا أكلوا نوعاً بآخر بدلوا
فواكهها تدنوا إلى من يريدها وسكانها مهما تمنوه يحصلُ
وأنهارها الألبان تجري وأعسل تناولها عند الإرادة يثملُ
بها كل أنواع الفواكه كلها وخمر وماء سلسبيل معسلُ
يقال لهم طبتم سلمتم من الأذى سلام عليكم بالسلامة فادخلوا
عباد الله: بأي شيء نالوا هذه الكرامات؟! اسمعوا ماذا يقول هذا الناصح:
بأسباب تقوى الله والعمل الذي يحب إلى جنات عدن توصلُ