الحمد لله الذي لم يزل بصفات الكمال متصفاً، وبآثار ربوبيته وآلائه إلى عباده متعرفاً، أحاط علماً بجميع الكائنات ما ظهر منها وما اختفى، واطلع على الظواهر والأسرار، الملك الذي تفرد بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والوصل والقطع، وبتوفيقه وفضله فاز الأبرار.
لا إله إلا الله اختار من خلقه خلاصةً, وجعل حظهم لديه حظاً موفوراً، ونصب أقدامهم لخدمته، وجعل وقتهم في الطاعة معموراً.
فيا عباد الله! السعيد -والله- من استقام قلبه على الحق واستنار، فسبحان من أيقظ أهل الهمم لطلب الدرجات العاليات، لا إله إلا الله رباً جلَّ أن تحيط به الأفكار، لا إله إلا الله تفرد بالإيجاد والاختيار، لا إله إلا الله تنزه عن مشابهة الأغيار، لا إله إلا الله توحَّد بالبقاء على مَرِّ الزمان، لا إله إلا الله الملك القهَّار، لا إله إلا الله العظيم الجبَّار، لا إله إلا الله العزيز الحكيم، لا إله إلا الله الغفار لمن تاب وأناب، لا إله إلا الله أرحم الراحمين, الذي يرحم من قصد جنابه والتجأ إليه، لا إله إلا الله يجبر الكسير، ويغني الفقير، ويكشف الهموم والغموم، ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي شرح الله صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذُّل والصغار على من خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا الله حق تقاته، أطيعوه فلا تعصوه، واشكروه ولا تكفروه، واذكروه ولا تنسوه.
عباد الله! يقول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[مَدَح الله العلماء في هذه الآية، ثم قال: يا أيها الناس! افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم، فإن الله يقول: يرفع المؤمن العالم فوق المؤمن الذي ليس بعالم درجات]] وفي الحديث الذي يُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة} ويقول صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه} نعم يا أمة الإسلام! فالعلم له فضلٌ عظيم، لمن صلحت نيته، وأخلص عمله لله، وتبع بذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجمل العلم الذي يتحلَّى به صاحبه! هنيئاً لطالب العلم الذي يحثه علمه على تقوى الله، وإلى المسارعة إلى الخيرات، وإلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وصدق الله حيث يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].