الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس! اتقوا الله عز وجلَّ, وشمروا لطلب الخيرات قبل فواتها, واغتنموا الأعمال الصالحات في أوقاتها, فمنها الأيام المفضلات المخصوصة بالتشريع في محكم الآيات, وهن الأيام المعلومات أيام عشر من ذي الحجة التي فرط الكثير فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله! فلا نسمع التكبير امتثالاً بسلفنا الصالح؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون!
أميتت هذه السنة ولا حول ولا قوة إلا بالله! البعض يرى أن التكبير والتهليل عيب ونقيصة, وهو -والله- فضيلة ورفعة, وأجر من رب العالمين {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].
عباد الله! في هذه الأيام اليوم التاسع المخصوص بالفضل العظيم، والمقسم به في القرآن العظيم وهو يوم عرفة, فاغتنموا فضله, واحذروا الموانع والقواطع من الذنوب, يقول صلى الله عليه وسلم: {خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما رؤي الشيطان أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة} لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الرب عن الذنوب العظام, وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيده من النار من يوم عرفة}.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على صيام يوم عرفة وذلك لغير الحاج, فقال صلى الله عليه وسلم: {صيام يوم عرفة احتسبوا على الله أن يُكِّفر السنة الماضية والسنة الآتية} وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة, فيقول: هؤلاء عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق, يرجون مغفرتي، فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل لغفرتها، ثم يقال لهم: أفيضوا مغفوراً لكم ولمن شفعتم فيه}.
فاجتهدوا -عباد الله- بالأعمال الصالحة، وارفعوا أصواتكم بالتكبير في كل مكان: في الأسواق, والمساجد, وفي المجتمعات, وفي البيوت, وأكثروا من قراءة القرآن, ومن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير, ومن الصدقات, واستيقظوا -يا عباد الله- من رقدتكم قبل أن تفوتكم أيام الخيرات, وقبل أن ترتهنوا في حفركم، وقبل أن توضعوا في القبور, فيتمنى الواحد منا أن يقول: لا إله إلا الله أو يقول: سبحان الله, أو الحمد لله, وقبل أن يتمنى الواحد منا أن يصلي ركعتين ولا يحصل له ذلك, فقد ارتهن بعمله، وصفت عليه اللبنات، وحث عليه التراب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم يقوم لرب العالمين.
عباد الله! صلوا على رسول الله، امتثالاً لأمر الله؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً} , وربنا جلَّ وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم وحد صفوفهم, واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء.