الحمد لله الذي استأثر بعلم الساعة، ولم يُطلع عليها أحداً من خلقه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال وقوله الحق: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187] أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب لنا سواه, هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخبر بآيات تكون قبل الساعة، وهو الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، وأعدوا العدة والأهبة إلى يوم القيامة، وكلنا ولله الحمد يؤمن بيوم القيامة، ونعلم ونقرأ أننا نبعث بعد الموت، ومن لم يؤمن بيوم البعث والنشور فهو كافرٌ والعياذ بالله، قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] وفي يوم البعث -يا عباد الله- تكون أمور وأهوالٌ عظيمة, جمعها أحد الوعاظ في هذه الموعظة، فقال:
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفور
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير
وإذا العشار تعطلت عن أهلها خلت الديار فما بها معمور
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك أين نسير؟
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور
وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور
كل هذا -يا عباد الله- سوف يحصل يوم القيامة وأشد من ذلك، ولكن قبل يوم القيامة -كما ذكرنا- آيات وعلامات تدل على قيام الساعة، أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر الله عنها في كتابه العزيز منها: الدجال, والدابة, ويأجوج ومأجوج, ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، وطلوع الشمس من المغرب، وحدوث زلازل وخسوف أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما علينا إلا أن نلتجئ إلى الله، نلتجئ إلى أرحم الراحمين، لعله أن يقوي إيماننا فلا تضرنا الفتن إنه أرحم الراحمين.
عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة, وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي مرة صلّى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم وبارك وزد صلاة وتسليماً على إمامنا وقدوتنا ونبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم دمّرهم تدميراً يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل.
اللهم أصلح أئمة المسلمين، وولاة أمورهم في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وأصلحنا جميعاً وأصلح لنا وأصلح بنا, واهدنا واهد لنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا؛ واللواط والسفور والتبرج، والأفلام الخليعة، والتمثيليات الماجنة، والأغاني الشريرة، اللهم ارفعها عنا وعن جميع المسلمين يا رب العالمين، وطهّر بلادنا وبلدان المسلمين منها إنك على كل شيء قدير، اللهم املأ قلوبنا من محبتك, ومن خشيتك, ومن معرفتك, ومن الأنس بقربك, واملأها حكمة وعلماً، اللهم طهر قلوبنا من النفاق والشكوك والشبهات والشهوات، ومن الغل والشحناء والعداوة للمسلمين يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا.
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.