ذكر صلى الله عليه وسلم للساعة أشراطاً كثيرة منها ما مضى، ومنها ما هو حاضر، ومنها ما هو مستقبل، وأبلغ ما يكون من أشراطها وأعظمه فتنة هي فتنة المسيح الدجال -أعاذني الله وإياكم من فتنة المسيح الدجال- فقد صح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال، وإنه ما من نبي إلا وقد أنذر به أمته، وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار} فتنة عظيمة يا عباد الله، فتنة كبرى، اللهم أجرنا من مضلات الفتن، يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها جنة نارٌ تحرق، والتي يقول إنها نار ماء عذب طيب، ثم يقول الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم: {فمن أدرك ذلك منكم فليقع فيه} أي: في ناره، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم, إنه شاب قطط، أعور العين اليمنى، مكتوب بين عينيه كفر، يقرأها كل مؤمن كاتبٌ وغير كاتب، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه بفواتيح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً}.
فاثبتوا يا عباد الله! قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: {أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم, قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا، اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم -فتن يا عباد الله- ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلأً شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل ووجهه يضحك} وفي رواية: {يقول لهذا الشاب: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم, فيستوي قائماً -فتنة يا عباد الله! اثبتوا- ثم يقول: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيأخذه الدجال ليذبحه فلا يسلط عليه}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال, قالت أم شريك: فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم قليل} ويتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفاً، ويخرج همته المدينة، فتصرف الملائكة وجهه عنها؛ لأن الله جعل على كل باب منها ملكين يمنعانه من الدخول.
فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين -أي: حلتين- مصبوغتين بورس أو زعفران، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات.
ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوماً قد عصمهم الله من الدجال، ويمسح بوجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
عباد الله! سبحان من مكّن هذا الدجال، سبحان الرب العظيم، سبحان القادر المقتدر الذي مكّن هذا الدجال من هذه المعجزات، مكّنه فتنة للعباد، وبين لهم العلامات التي تبين بطلان ما ادعاه وفساده, فإنه أعور ناقص في ذاته، وأنه مكتوب في عينيه: " كفر " يقرأه كل مؤمن، إنه إذا قتل الرجل ثم أحياه لم يقدر عليه بعد ذلك، فهو ناقص في قدرته، إن جنته نار، وناره ماء طيب عذب، فما جاء به الدجال فهو باطل.
إن الدجال يا عباد الله خلق مخلوق من مخلوقات الله، وإنه يفنى ويقتل، يقتله عيسى بن مريم عليه السلام، وإنه في الأرض لا في السماء, وكل هذه صفات مخلوق ناقص، التي تبرهن على أنه ليس بإله.
فعليكم -عباد الله- بالإيمان الصادق بالله، قووا إيمانكم بالله، التجئوا إلى الله، تعرفوا إلى الله ينجيكم من الشدائد إذا نزلت بكم.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا بك مؤمنين وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، اللهم اجعلنا من الطائفة الذين لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمرك يا ألله، اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن، ونعوذ بك اللهم من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات, ونعوذ بك من النار ونعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، إنك على كل شيء قدير، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.