أيها المسلمون: لنعرف حق الوالدين؛ فإن حقهما عظيم، وأمره خطير، وإن من حقوقهما: الحنو والشفقة عليهما، والتلطف لهما، ومعاملتهما معاملة الشاكر لِمَن أنعم عليه، على أن الفضل للمتقدم.
أيها المسلم: يا من تحب أن تجزى بالإحسان إحساناً! عامل والديك بالإحسان والتلطف بهما.
أيها المسلم: لا تتأفف من شيء تراه، أو تشمه من الوالدين مما يتأذى به الناس، واحذر الضجر والملل! ولا تنغص أو تكدر عليهما بكلام تزجرهما به {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23] أي: حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتقدير، فلا ترفع عليهما صوتك، وتذكر عندما كنت طفلاً صغيراً، ماذا حصل لك من الرعاية والعطف والحنان.
واسمع عِظَم هذا الحديث:
{جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه بالجهاد في سبيل الله معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} رواه: البخاري، ومسلم، فيا له من حق عظيم للوالدين!
ومما ورد في الحث على بر الوالدين: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد في سبيل الله، ولا أقدر عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: {هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد}.
قال طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: {يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال: الزم رجليها، فثمَّ الجنة}.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}.
نعم.
يا عبد الله! للأم ثلاثة حقوق؛ لأنها تنفرد بأشياء كثيرة من المشاق، منها: الحمل، والوضع، والرضاع، وكثرة الشفقة، والخدمة, والحنو، فيا لها من حقوق تحتاج إلى مجازاة! فوالله ثم والله مهما بالغ البار بالوالدين فإنه لم يؤدِّ من الحقوق إلا القليل.
فيا أيها العاق! يا أيها المضيع لآكد الحقوق بالعقوق! يا من اعتاض بر الوالدين بالعقوق! يا من نسي ما يجب عليه من الحقوق! يا من غفل عما بين يديه! ألم تعلم أن بر الوالدين عليك دين؟! ففكر، ثم فكر هل وفيت بهذا الدين؟ فإنك ستجد غِبَّ ذلك في أولادك.
فيا أيها العاق! يا من نسي الجميل! هل نسيت حمل أمك في بطنها؟!
هل نسيت حملك في بطن أمك تسعة أشهر، وكأنها تسع حجج؟!
هل نسيت ما حصل لأمك من الكرب عند وضعك؟! فقد حصل لها والله ما يذيب المهج.
هل نسيت الرضاع؟!
هل نسيت غسلها عنك القذارات؟!
هل نسيت ذلك السرير الذي في وسط حجرها؟!
ثم إنها تتعب لراحتك؛ فإن أصابك مرض أو شكاية؛ أظهرت من الأسف فوق النهاية، وأطالت الحزن والبكاء! إنها الأم الحنون، إنها الأم الضعيفة، إنها الأم المسكينة، كم بذلَتْ ما في وسعها لترتاحَ؟! ولو خُيِّرَت بين حياتك وموتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها.
فكم حرمتها لذيذ المنام؟! فسهِّرت والناس نيام، وكم تلذذت برائحة ملابسك عند فقدك؟!
فيا لها من حقوق قابلتها أيها العاق بالنسيان! أعندما احتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك، نسيتها، وقدمت عليها الأهل والأولاد بالإحسان، وقابلت أياديها بالنسيان؟ و {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
إنها أمك، صَعُبَ عليك أمرُها وهو يسير، فكم طلبت منك حاجة فقابلتها بالامتناع والاعتذار؟! وربما قلت بكل شناعة: اللهم أرحنا من هذه العجوز! أنسيت يا هذا زمن الطفولة والحنان والرضاع؟! كيف قابلت إحسانها بالتقصير، وهجرتها ومالها بعد الله سواك من نصير؟! هل نسيت فزعها عندما يصيبك خوف أو مرض؟! تذكر يا من نسيت الجميل!