الحمد لله الذي بيده الفضل ومنه الإحسان، والمعروف منذ القدم بالجود والكرم، لا إله غيره، ولا رب لنا سواه، أحمده سبحانه وأشكره، سخر لنا الوالدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بطاعة الوالدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حذر عن عقوق الوالدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا لله عزَّ وجلَّ وأطيعوه، ومن طاعته الإحسان إلى الوالدين، فالله سبحانه وتعالى عظَّم حق الوالدين، فقرن حقهما مع حقه، وقرن شكرهما مع شكره، فيا له من أمر عظيم! ويا له من حق كبير! فاسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يقرر ذلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23].
(وقضى) أي: وصَّى ربك جل وعلا {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24].
ويقول الله جل وعلا: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14].
ويُروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين.
سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله}.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[ثلاث آياتٍ نزلت مقرونة بثلاث، لا تُقبل منها واحدة بغير قرينتها:
إحداها: قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59] فمن أطاع الله ولَمْ يُطعِ الرسول لَمْ يُقبل منه.
ثانيها: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فمن صلى ولَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقبل منه.
ثالثها: قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] فمن شكر الله ولَمْ يشكر والديه لَمْ يُقبل منه]].