فجدير بأهل الإيمان من الذكور والإناث، وحق عليهم أن يحذروا صفات العصاة، وأن يبادروا بالتوبة مما فرطوا فيه من المعاصي قبل هجوم الأجل، فإن هذه الدار دار العمل، دار المحاسبة للنفس والجهاد لها، ودار التناصح بين المسلمين، والتواصي بالحق، كما قال عز وجل {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] ، هؤلاء هم الرابحون، أهل الإيمان بالله ورسوله والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر هم الرابحون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) ، وقال جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل رضي الله عنه: [بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم] .
فالواجب التناصح بين المسلمين من النساء والرجال، الواجب التناصح دائماً، كل واحد يقول: يا أخي! اتق الله، فعلت كذا وكذا يا أخي! راقب الله، والله إني أخاف عليك من كذا وكذا، والله إني أخاف عليك النار، أخاف عليك من غضب الله، وهكذا الأخت مع أخيها في الله، ومع أختها في الله، مع أبيها مع أمها مع بنتها مع خالتها، والرجل كذلك، يتناصحون، ويتواصون بالحق، فإن هذه الدار دار تناصح دار التواصي بالحق دار التعاون على البر والتقوى، كما قال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، وكل هذا عبادة من عبادات الله التي أمر بها في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] .
فالتناصح والتواصي بالحق والتعاون على الخير كله من العبادات التي أمر الله بها عز وجل، وهي من وسائل السعادة، فالمؤمنون إخوة رجالهم ونساؤهم، حقٌ عليهم أن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق، وأن ينصح بعضهم بعضاً، وأن يعين بعضهم بعضاً على الخير، كما قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ، وعدهم الرحمة على أعمالهم الطيبة، على تناصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، وعدهم الرحمة، قال: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] بأعمالهم الطيبة، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] فالأعمال الطيبة هي سبب الرحمة، وهي سبب المغفرة، وهي المعول على عفو الله ورحمته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) ،فالأعمال أسباب لرحمة الله، والمعول على فضله ورحمته سبحانه وتعالى ومغفرته، فأنت تعمل وتجتهد وتسأل ربك القبول والمغفرة والرحمة، ويفسر سبحانه الرحمة في الآخرة بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72] ، هذا وعده للمؤمنين في الدنيا والآخرة، رحمة من الله في الدنيا بها يوفقهم للطاعة ويعينهم عليها، ورحمة في الآخرة بها دخول الجنة والنجاة من النار.
فلا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة الغفلة عن أخيه، وتركه على المعصية وعدم نصحه، فالواجب التناصح، والتعاون، والتواصي بالحق، لا ترض أن يكون أخوك في النار وأنت تستطيع أن تنقذه بتوفيق الله بدعوتك ونصيحتك، لا تدعه للشيطان وأنت تستطيع أن تخلصه منه بالدعوة إلى الله، والتوجيه إلى الخير، والتحذير من أسباب الشر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه) ويقول عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، هكذا أنتم، هكذا المؤمنون والمؤمنات مثل الجسد، إذا صلح المجتمع واستقام صار كالجسد الواحد، إذا تألمت عينه تألم كله، وإذا تألم رأسه تألم كله، وإذا تألمت يده تألم كله، وهكذا المجتمع الإيماني إذا تألم أخوك فأنت متألم أيضاً؛ لأنك كالجزء منه، فإذا مرض كأنك المريض، وإذا افتقر كأنك الفقير، وإذا ظُلم كأنك المظلوم، تعينه على الخير، وإذا عصى تعينه على طاعة الله وترك المعصية، ترحمه لأنه أخوك.
فالمسلمون فيما بينهم إخوة متراحمون، متناصحون، متواصون بالحق والصبر عليه، رجالهم ونساؤهم، عربهم وعجمهم، كلهم على هذا المنوال، كلهم يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، بنية صالحة رجاء ثواب الله ومغفرته، ورجاء أن ينفع الله بهذا العمل، وأن يهدي الله على يديك أخاك المسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لـ علي رضي الله عنه لما بعثه داعية إلى خيبر: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء) ، فالذي يدعو إلى الهدى له مثل أجور أتباعه، الذي يدعو إلى الصلاة له مثل أجور من صلى بسببه، أو إلى الصيام، أو إلى الحج، أو بر الوالدين، أو صلة الرحم، أو إكرام الضيف، أو صدق الحديث، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غير هذا، يكون له مثل أجور أتباعه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) .
والعكس كذلك إذا دعاه إلى الزنا فزنا بسببه صار عليه مثل إثمه، نسأل الله العافية! وإذا دعاه إلى شرب مسكر يكون عليه مثل إثمه، وإذا دعاه إلى أن يعق والديه يكون عليه مثل إثمه، وإذا دعاه إلى الربا يكون عليه مثل إثمه وهكذا نسأل الله السلامة! من دعاه إلى البدعة في الدين يكون عليه مثل إثمه.