بخلاف أهل النار -والعياذ بالله- الذين عصوا ربهم وتابعوا الهوى، وأطاعوا الشيطان، فلهم النار يوم القيامة، في دار الهوان في دار الأغلال والأنكال في دار الجحيم والزقوم في دارٍ كلها بلاء وكلها شقاء، هم في عذاب دائم {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:30] {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] ، فهم في بلاء وعذاب ونكال إلى ما لا نهاية له، أبد الآبدين، ودهر الداهرين؛ بأسباب كفرهم بالله، وارتكابهم محارمه، وتركهم توحيده والإيمان به سبحانه وتعالى، لما تركوا توحيده والإيمان به، وارتكبوا محارمه وكفروا به، جازاهم بعذابه وغضبه ونكاله سبحانه وتعالى.
أما العصاة من المسلمين فهم بين ذلك، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء في الجملة، ولكن نهايتهم ومصيرهم إلى دار النعيم مع إخوانهم المتقين، لكن قد يصيبهم عذاب قبل ذلك، فقد يدخلون النار قبل ذلك بمعاصيهم، فيعذبون قبل دخول الجنة بمعاصيهم التي ماتوا عليها، إلا أن يعفو الله سبحانه وتعالى عمن شاء منهم، كالذي مات على الزنا، أو مات على عقوق الوالدين، أو مات على شرب الخمر، أو مات على أكل الربا، أو مات على غير ذلك من المعاصي التي حرمها الله عليه، فهم تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم وأدخلهم الجنة بتوحيدهم وإيمانهم وأعمالهم الصالحة التي معهم، وإن شاء سبحانه عذبهم على قدر المعاصي التي ماتوا عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار يخرجهم الله من النار إلى الجنة بعد ذلك، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، فما دون الشرك من المعاصي لمن يشاء.
وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيراً من العصاة يعذبون في النار، يعذبون على معاصيهم، ثم يشفع فيهم الشفعاء يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويشفع فيهم الشفعاء من الملائكة والمؤمنين والأفراط، فيخرجون من النار بعد امتحاشهم واحتراقهم فيها، بعد تعذيبهم فيها على قدر معاصيهم، يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له: نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة بعد ذلك بإسلامهم الذي ماتوا عليه، وتوحيدهم الذي ماتوا عليه، بعد أن طهروا في النار من معاصيهم وأرجاسهم التي ماتوا عليها ولم يتوبوا منها.