أيها الإخوة! الاستقامة في الدين مقام من أعلى المقامات، بها يرتقى لأسمى الكمالات، وأفضل الطاعات مراقبة الله على دوام الأوقات.
أهل الاستقامة لا يصبح الدين عندهم فريسة العابثين، ولا ميدان المتلاعبين، وليس لعبة للمنحرفين، وتقلبات المنافقين، أهل الاستقامة يتواصلون بالدين، لا يحمل بعضهم على بعض ضغينة، ولا تشوبهم ريبة، ولا تسرع إليهم غيبة، في الله يتحابون، وفي دين الله لا يغلون أو يزيدون، ومهما طال عليهم الطريق فلغير دين الله لا يدينون، غير ناكسين في عزيمة، ولا منحرفين عن وجهة، ولا زائغين عن عمل.
أما من قل نصيبه واختلت استقامته، واعوجت مسيرته، فتجرفه أهواء عاتية، وتحرفه أغراض متباينة، لا يحمل رسالة، ولا يقيم دعوة، ينحرف عند أدنى محنة، ويضل عند أدنى شبهة، ويزل لأول بارق شهوة: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:10] {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج:11] دينه ما تهوى نفسه، وعقيدته ما يوافق هواه، هذا حال الفريقين، وهذا مسلك النجدين، فليجاهد العبد نفسه في تحقيق الإيمان والاستقامة، وليسأل ربه الثبات حتى الممات، والحفظ من فتن الشهوات والشبهات، وليعرض عن الجاهلين، وليصفح عن المسيئين.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.