أما الرعية: ففرض عليهم حفظ حقوق ولاة أمور المسلمين، والتعاون معهم في أداء المسئوليات، وحمل الأمانات، وتكثير الخير وسبله، وتقليل الشر وموارده، حق لولاة الأمور السمع والطاعة، والدعاء بالتوفيق والتسديد، وبذل النصح والصدق فيه بالحكمة والرفق، والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، مع حفظ حقهم في الإجلال والهيبة، والتعظيم والتوقير، والحذر من الوقيعة في أعراضهم، والجرأة عليهم بتنقصهم أو الدعاء عليهم فهذا من أسباب تولد الضغائن والأحقاد وفشو التنازع، والطاعة لازمة على المرء فيما أحب وكره، في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، إلا أن يأمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة: {إنما الطاعة في المعروف}.
يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: {بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم} متفق عليه.
ومن رأى من أميره شيئاً يكرهه من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية ولا ينزع يداً من طاعة، فإن من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية، والعاصي لا يكفر بالمعصية إن لم يستحلها، وليس من سبيل الاستقامة أن يحمل الحماس بعض الناس على الوقوع في مخالفات الشرع.
فاتق الله يا عبد الله ولا تقل بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير، كف عما لا يعنيك، ودع فضول الكلام والنظر، اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره، واجعل شكرك لمن لا ترتفع عنك نعمته، واجعل طاعتك لمن لا غنى لك عنه، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.
يقول سفيان الثوري رحمه الله: [[عليك بالرجاء لمن يملك الوفاء، وعليك بالحذر لمن يملك العقوبة، وعليك بمراقبة لمن لا تخفى عليك منه خافية]].
أيها الإخوة! أيها الأحبة! هذه هي الاستقامة في حقيقتها وطريقها.
أما جزاء أهلها: فتتنزل عليهم ملائكة الرحمن ألا تخافوا ولا تحزنوا، أمن من المخاوف وسلامة من المكاره، لا يأسون على فائت، ولا يشفقون من مستقبل، مسددون موفقون، محفوظون بملائكة الله من أمر الله، بإذن الله: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:31] لهم الأمن في الحال والمآل والنعيم المقيم: {نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:32].