أيها المسلمون: إن أدق أنواع المحاسبة الزمانية: الوقوف عند ظلم النفس، حين قال الله عز وجل: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36] الوقوف عند الظلم والتظالم، عند ظلم النفس وعند ظلم الغير، ومن ظلم غيره فقد ظلم نفسه لا محالة.
عباد الله: الظلم واسع المعنى، يتناول وضع الأشياء في غير مواضعها، وانتقاص الناس في حقوقها، والتفريط في الواجبات، واقتحام المنهيات، يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: والظلم مبارزة الرب بالعصيان، وهو لا ينشأ إلا عن ظلمة القلب، والعبد إذا اكتنفته ظلمات ظلم لم يغنه بعد ذلك شيء.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كل ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر الله به راجع إلى العدل.
ومن أجل هذا؛ كان أكبر أنواع الظلم، وأعظمها وأعلاها: الظلم الذي لا يغفره الله ما لم يتب منه صاحبه، ذلكم هو الإشراك بالله، عياذاً بالله! وفي التنزيل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72] {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254].
ومن أعظم أنواع الظلم: تظالم العباد فيما بينهم، وفي الحديث القدسي: {يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا} فأكل مال اليتيم، والتفريط في الوصايا، وعقوق الوالدين والأرحام، والمماطلة في المعاملات، والغصب والسرقة، والاختلاس، وأكل الربا، وتطفيف المكيال والميزان، والعسف والتغرير بالعميل، وخيانة الودائع والأجير والوكيل والكفيل والشريك، والحكم والولايات العامة والخاصة، والقضاء، كل ذلك وأمثاله من المعاملات والتعاملات والعلاقات؛ التفريط فيها والخيانة لها والغش فيها ظلم مقت الله أهله، وأحاطت بالديار عواقبه، و {بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44].