أيها المسلمون: في أجواء الظلم توضع الأمور في غير مواضعها، وتقع الأشياء في غير مواقعها، فيعظم الحقير، ويمجد الوضيع، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وحينئذ تعاني الأمم الأمرّين من أحكام الجاهلية ومسالكها، وما استساغ أحد الظلم إلا لظلمة في قلبه، ودخل في طويته، وخلل في نفسه: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].
الظالم يمتطي سفينة الغفلة، فيرد موارد الهلاك، يتجرأ على حقوق الآخرين ليقضي مآربه، دعته قوته وجاهه وماله ونفوذه ليتجاوز الحدود، ويعتدي على الحقوق، غفل عن الوقوف بين يدي جبار السماوات والأرض: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] {يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52].
مشاعر مجرمة، وشعور آثم: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} [طه:111] ظالم أثيم، لا يبالي بدين ولا قرابة، ولا يعبأ بمسئولية ولا رقابة: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة:165].
الظلم وخيم المرتع، سيئ العاقبة، هو منبع الرذائل، ومصدر الشرور، إذا فشا في أمة أهلكها، وإذا حل بقوم فرقهم، به تخرب الديار، وتزول القرى والأمصار، وتنتشر الفوضى ويعم الهرج.
وما تزول الدول ولا يضطرب الحال إلا بسب الظلم والتعسف والجور: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59] {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} [هود:102 - 103].
وجزاء الظلم سريع النزول معد للعقوبة، يقول بعض السلف: أعجل الأمور عقوبة وأسرعها إلى صاحبها ظلم من لا ناصر له، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.
وفي الحديث الصحيح: {من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: يا رسول الله وإن كان يسيراً؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك} رواه مسلم.
وبعض الناس قد يتوهم أن حكم الحاكم له بحق أخيه يبيحه له ويعفيه من مسئوليته، وهذا غلط فاحش، وفهم خاطئ، وغفلة مهلكة، وقلة فقه في الدين، فإن الحاكم بشر يخطئ ويصيب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم فلعل أحدكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق؛ فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو يذرها}.
وفي الحديث الآخر: {من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى يرجع} رواه أبو داود، ويل لهؤلاء الظلمة من ثِقل الأوزار، وويل لهم وقد امتلأت بمظالمهم الديار، وأين المفر من ديان يوم الدين؟ يوم تنشق سماء عن سماء، ويأتي الرب لفصل القضاء، وتجتمع عند الله الخصوم: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:151].
{المفلس: من يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار} بهذا صح الخبر عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.