وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم

ننقل ما وصفه به أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم الذين من الله عليهم برؤية هذا النبي الحبيب الشفيع صلوات الله وسلامه عليه، وجملة ما قالوه: أنه كان عليه الصلاة والسلام سبط الشعر بمعنى: أن شعره لم يكن مسترسلاً ولم يكن ناعماً.

كما أنه كان صلى الله عليه وسلم أقنى الأنف أجلى الأجبهة، في جبينه صلى الله عليه وسلم عرق يدره الغضب، فإذا غضب في ذات الله امتلأ هذا العرق دماً.

وكان أزج الحواجب في غير قرن، أشم الأنف، طويل أشفار العينين، ضليع الفم -أي: كبير الفم- مهذب الأسنان، كث اللحية، الشيب فيه ندرة صلوات الله وسلامه عليه، وأكثر شيبه في صدغيه الأيمن والأيسر، وأكثر شيبه أسفل شفته السفلى في عنفقته هنا صلوات الله وسلامه عليه.

وكان عريض المنكبين كأن عنقه إبريق فضة، من وهدة نحره عليه الصلاة والسلام إلى أسفل سرته شعر ممتد ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره.

إذا أشار أشار بيده كلها، وإذا تعجب من شيء قلب كفيه وقال: سبحان الله، وعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح أنه كان إذا تعجب من شيء عض على شفتيه صلوات الله وسلامه عليه! من رآه من بعيد هابه، ومن رآه من قريب أحبه، يقول علي رضي الله عنه: لم أر قبله ولا بعده أفضل منه صلوات الله وسلامه عليه.

ونحن على ما قال علي من المصدقين المؤملين.

فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد ضخم الكراديس -أي: عظام المفاصل- إذا مشى يتكفأ تكفؤاً كأنه يتكئ على أمشاط قدميه أكثر مما يتكئ على كعبيه.

عاش عليه الصلاة والسلام ثلاثة وستين عاماً، أربعون عاماً منها قبل أن ينبأ، ثم نبئ بإقرأ، وأرسل بالمدثر، وتوفي على رأس ثلاث وستين سنة من عمره الشريف الطاهر صلوات الله وسلامه عليه، عاش منها ثلاثة عشر عاماً نبياً ورسولاً في مكة يدعو إلى الله ويجاهد في الله حق جهاده، وضع على ظهره عليه الصلاة والسلام وهو ساجد سلا الجزور وهو أفضل الخلق عند الله جل وعلا، ومع ذلك بقي ساجداً حتى علمت فاطمة وحملت سلا الجزور عن أبيها.

وهو عند الله في المنزلة العالية والدرجة الرفيعة والمقام الجليل صلوات الله وسلامه عليه.

أنزل الله عليه القرآن منجماً في ثلاثة وعشرين عاماً، لم يخاطبه الله جل وعلا في القرآن كله باسمه الصريح، فليس في القرآن (يا محمد) إنما في القرآن: يا أيها النبي، يا أيها الرسول، كل ذلك من دلائل عظيم مقامه وجليل شرفه وعلو منزلته عند ربه تبارك وتعالى.

عرج به كما بينا إلى سدرة المنتهى ثم عاد في نفس الليلة، ثم بعد ثلاث سنين أو أكثر أو أقل هاجر إلى المدينة، فمكن الله له هناك وأقام دولة الإسلام.

مكث صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين جاهد في الله تبارك وتعالى حق جهاده، شج رأسه يوم أحد وسال الدم على وجهه وكسرت رباعيته وهو ينظر إلى قريش ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وهو يدعوهم إلى الله)!.

في العام العاشر أذن في الناس أنه عليه الصلاة والسلام عازم على الحج، فأم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته، فأنزل الله عليه في يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] فعلم أن الأجل قد قاربه فأخذ يودع الناس ويقول: (لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).

ثم رجع إلى المدينة بعد أن أكمل نسكه وأتم حجه، وفي أوائل شهر ربيع من ذلك العام أصيب صلى الله عليه وسلم بصداع ودخل على عائشة وهي تقول: وارأساه، فقال: (بل أنا وارأساه!)، ثم أخذ يشكو المرض حتى حانت ساعة الوفاة في يوم الإثنين من شهر ربيع الأول.

دخل عليه أسامة بن زيد يسأله أن يدعو له فرفع يديه يدعو دون أن يظهر صوتاً وهو سيد الفصحاء وإمام البلغاء، ثم دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر في الساعات الأخيرة وفي يد عبد الرحمن سواك فأخذ يحدق النظر في السواك كأنه يريده، ففهمت عائشة الصديقة بنت الصديق مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت السواك وقضمته وطيبته وأعطته لنبي الله عليه الصلاة والسلام، فاستاك في الساعات الأخيرة قبل أن تفيض روحه إلى ربه تبارك وتعالى.

ثم جاءه الملك يخيره فسمعته عائشة وهو يقول: ({وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69] بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى! قالها ثلاثاً)، ثم مالت يده وفاضت روحه إلى أعلى عليين في المحل الأسنى والملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه عليه.

هذه على وجه الإجمال سيرة نبيكم صلى الله عليه وسلم ونبذة عن وصفه ممن علق الله جل وعلا قلوبنا بحبه بعد حب الله تبارك وتعالى، فنحن نحبه لأن الله اختاره واصطفاه واجتباه، والله جل وعلا يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:68].

فهو عليه الصلاة والسلام رسول رب العالمين، ونبي الأميين، وأفضل أهل الأرض وأهل السماء، صلوات الله وسلامه عليه، قال شوقي ونعم ما قال: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم لما رنا حدثتني النفس قائلة يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي جحدتها وكتمت السهم في كبدي جرح الأحبة عندي غير ذي ألم يا لائمي في هواه والهوى قدر لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم إلى أن قال: يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة حديثك الشهد عند الذائق الفهم إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخيرة الله في لا منك أو نعم الله قسم بين الخلق رزقهم وأنت خيرت في الأرزاق والقسم أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيال من الرمم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015