ثم بعد ذلك تأتي دراسة السيرة العطرة والأيام النضرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن تكون تلك القبسات مما فيه شمولية كاملة يعرف به المنهج الحق؛ لأن من أخطائنا المعاصرة أن يأتي أحدنا إلى مجتمع مسلم، ثم يريد أن يقيم دعوة سرية في مجتمع مسلم، فإذا ناقشته قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع هو وفلان وفلان، وعد خيار الأكابر من الصحابة في دار الأرقم ابن أبي الأرقم.
فيقال له: ألا تعلم أن الدعوة مرت بمرحلة سرية وجهرية ومرحلة هجرة؟ وهذا أمر فيه ذهول عن حقيقة السنة والسيرة بحق، فهذا الأمر صنعه النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمع كافر من صناديد قريش لا يؤمن بالله ولا برسوله، وأما أنت فتحيا في مجتمع يؤمن بالله ورسوله، فلا سبيل أبداً إلى تطبيق مثل هذا الأمر، وإنما دعوة الأنبياء واضحة ظاهرة تقال في الملأ كما تقال في الخلاء، قال الله جل وعلا حكاية عن كليمه موسى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه:59] أي: ائت بالناس، فأنا لا أملك شيئاً أخفيه فتعال في ضحى النهار، أو في رابعة النهار، وادع من شئت، ابعث البعوث لتدعو الناس؛ لأنني لا يوجد شيء عندي أخفيه، فأنا أبلغ.
فهذا هو لسان حال موسى ومقاله؛ فالمقصود من هذا أنه يجب أن نقرأ السيرة النبوية قراءة صحيحة في قضية الاستشهاد بها حتى نكون على بينة من أمرنا.