ومن أعظم الخصال بذل الندى، وإطعام الجائع، فإن سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وسادتهم يوم القيامة الأتقياء، وإذا كان الإنسان يبذل نداه، ويقري ضيفه، ويكرم جاره كان قريبا من الله قريباً من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
حج يزيد بن المهلب فلما قدم إليه الحلاق في يوم النحر حلق له رأسه، فأعطاه يزيد ألف دينار، وهي لا تعطى في العادة لمن يحلق، فقال له الحلاق: دعني حتى أخبر أمي، فرحاً أنه أعطي هذا المبلغ، فقال يزيد لخادمه: أعطه ألفاً أخرى، فقال الحلاق: والله لا أحلق لأحد بعدك، فقال يزيد: أعطوه ألفاً ثالثة.
والمقصود أن التاريخ حفظ لـ يزيد بن المهلب هذا العطاء، وأكرم منه من تأسى به يزيد وهو رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام.
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه أيام خلافته، فقال: يا أمير المؤمنين جزيت الجنة أكسو بنياتي وأمهنه وكن لنا من الزمان جنة أقسمت بالله لتفعلنه قال عمر: وإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال: إذاً أبا حفص لأمضينه! قال: وإن مضيت يكون ماذا؟ قال: إذاً أبا حفص لتسألنه يوم تكون الأعطيات جنة وموقف المسئول بينهنه إما إلى نار وإما الجنة فخلع عمر رضي الله عنه قميصه وبكى حتى بلل لحيته وأعطاه القميص وهو يقول: خذه فوالله الذي لا اله إلا هو ما أملك غيره.
والمقصود أن نبيكم صلى الله عليه وسلم حث على إطعام الطعام وقال الله من قبل: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد:11 - 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:16].
وقال عن أوليائه الصالحين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:8 - 9].