هذا مجمل ما أردنا بيانه في قصة المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام وفيه من العظات والعبر ما يأتي: أولاً: أن الله جل وعلا منزه عن كل عيب ونقص, وأنه تبارك وتعالى غني عن كل ما سواه, وما سواه فقير إليه جل وعلا، وأنه من أعظم الفرية أن يزعم عبد من العباد أن الله جل وعلا اتخذ ولداً, وأن من موجبات الدعاء أن تعظم الله جل وعلا وتنزهه عن الصاحبة والولد، وتنزهه تبارك وتعالى عما وصفه به الظالمون، ولذلك فإن الله في القرآن ينزه ذاته العلية عما يقولون، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا * قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:40 - 44].
الفائدة الثانية: أن الله جل وعلا يمن بالفضل على من يشاء من عباده، ويظهر أحياناً جل وعلا قدراته ولكن ليس كل عبد يفتح عليه في أن يعلم تلك القدرات، ففي كون المسيح يأتي من غير أب إتمام للحقائق الأربع وهي: أن الله جل وعلا خلق آدم من غير أب ولا أم، هذه واحدة، وخلق حواء من رجل دون أنثى هذه الثانية، وخلق الناس جميعاً من أب وأم هذه الثالثة، وتبقى واحدة وهي أنه يخلق ويوجد عبد من أم دون أب، فكان المسيح بن مريم.
لذلك قال الحافظ ابن كثير رحمة الله تعالى عليه في تفسيره لهذا الأمر: تمت القدرة الإلهية وأظهر الله جل وعلا عظيم سلطانه وعظيم قدرته في كونه تبارك وتعالى فخلق الخلائق على أربعة قدرات أو على أربعة أنماط.