الأمر الثاني مما يخدش فيه: قال بعض العلماء رحمهم الله كلمة في هذا الباب جامعه مانعه قال: إن من أعظم أوديه الباطل: الغلو في الأفاضل.
فيأتي الإنسان إلى عبد يرى عليه أمارات الصلاح من العلماء أو الدعاة أو الناصحين أو العباد أو ما أشبه ذلك، أو من الأنبياء المرسلين كل بدرجاته, أو من آل البيت أو من غيرهم فيغلو فيه غلواً يخرج الغالي من دين الله جل وعلا، أو على الأقل يخدش في دينه، ويخدش في توحيده، ويقلل من كمال عبوديته للرب تبارك وتعالى.
وما رأيته من أحد فيه خير فلا تمدحه وهو يسمعك، فإن كان فيمن تراه خير فثق أن الله جل وعلا لن يضيعه، وإن كان الذي تراه ليس فيه خير فثق أنه لن يخفى على الله، فلا تشغل نفسك به ولا تغلو في أي أحد تراه: إما لجمال صوت، أو لمظهر بكاء، أو لبلاغه لسان، أو ما أشبه ذلك، فأحب بقدر وأبغض بقدر، فالأمور مطوية، والموعد الله، والانصراف إلى الجنة أو إلى النار, جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة.
والمقصود: أن من أعظم أوديه الباطل: الغلو في الأفاضل.
وأنتم تعلمون أن كثيراً أو بعضاً من طوائف المسلمين إنما ضلت وهلكت وبعضهم خرج من الدين بغلوهم في آحاد المؤمنين، وغلوهم في الأفاضل حتى بلغوا بهم منازل لم يعطها الله جل وعلا أحداً من الخلق، ثم نافسوا في أئمتهم منازل الرب, وهذا كله بدءوا به درجة درجة حتى انتهى بهم الأمر إلى ما وصلوا إليه، أعاذنا الله وإياكم من الغلو في الدين.
والمقصود أن المؤمن لا يعظم إلا ربه، وينظر إلى الخلق نظرة إنصاف، يقول: هذا ما أعلم، أو لا أعلم إلا خيراً، نسأل الله جل وعلا لفلان القبول، ولا يثني عليه أمام ملأ من الناس، ولا يبالغ في السلام عليه ولا في تعظيمه خاصة في المساجد؛ لأنها إنما بنيت وشرعت وأسست لأن يعظم الله جل وعلا وحده دون سواه.
هذان أمران مهمان فيما يخدش توحيد العبد لربه تبارك وتعالى.