قد يكرم المرء في قبره دون أن يشعر الناس العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه صحابي من المهاجرين الأولين، خرج في الغزو في الجهاد، ثم إنه لما قفل راجعاً من غزوة أصابته علة فمات فدفنه أصحابه، فلما مضوا عنه قليلاً إذا برجل من أهل تلك القرية، فقال: ما هذا الذي دفنتموه؟ قالوا: هذا أحد أصحابنا يقال له العلاء بن الحضرمي، فقال لهم محذراً: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، لا يقع فيها القبر.
يعني أن القبر لا يحفظ الموتى، بل يخرجهم، فتشاوروا رضي الله عنهم وأرضاهم فقالوا: ما حق العلاء بن الحضرمي علينا أن نتركه.
فأجمعوا أمرهم بعد ذلك على أن يحفروا عنه وينقلوه إلى قرية أخرى، فحفروا القبر، فلما وصلوا إلى القبر وكانوا دافنوه لتوهم لم يجدوا شيئاً، ووجدوا القبر نور يتلألأ مد البصر، وهذا ثابت، وهو من دلائل ما يكرم الله جل وعلا به.
وقد يكون الأثر متعدياً بعد القبر، كما ثبت عن ثابت بن قيس رضي الله تعالى عنه وأرضاه خطيب رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يرفع الصوت في كلامه، فلما أنزل الله جل وعلا قوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2] حبس نفسه في الدار، فلما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالأمر قال لهم: (قولوا له: إنك لست منهم.
ثم قال له: يا ثابت! إنك ستعيش حميداً وتموت شهيداً)، فلما كانت موقعة اليمامة في حروب الردة خرج ثابت بن قيس رضي الله تعالى عنه لحروب أهل الردة، وكان يلبس درعاً نفيسة، ومكث في حفرة يقاتل من خلالها، فأصابه سهم فمات، فمر به رجل من المسلمين فوجد الدرع فأعجبته فنزعها وأخذها، فإذا بـ ثابت يظهر في المنام لرجل آخر من المسلمين ويقول له: أنا ثابت بن قيس، وإني سأخبرك خبراً ليس بحلم فلا تضيعه، إنني استشهدت اليوم، وكان لي درع نفيسة أخذها رجل من المسلمين بيته في مكان كذا وكذا، وتجد الدرع عليها برمة وعلى البرمة رحل أخفاه تحتها، فاذهب إلى خالد -أي: قائد المسلمين- وأخبره الخبر وقل له يأخذ الدرع ويبعث بها إلى الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليقل للصديق بعها واقض ما كان علي من دين.
فذهب خالد فوجد الدرع كما وصفها ثابت لذلك الرجل في المنام، فأقره على الأمر وأقر الصديق تصرف خالد، وباع الدرع وتصدق بقيمة بيعها وسدد ما كان عليه من دين.
بل يتجاوز الأمر أكثر من ذلك، فقد صحح العلماء حديثاً -كما قال الشيخ الألباني رحمه الله- عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (إن أعمالكم تعرض على إخوانكم من الموتى يسرون أو يساءون) فكان أبو الدرداء رضي الله عنه على علاقة وطيدة بـ عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد كان مات قبله، فكان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة.
وفي المسند بسند صحيح -كما قال الشيخ ناصر رحمه الله-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعمالكم تعرض على قرابتكم وعشيرتكم من الأموات، فإن كانت حسنة استبشروا وإن كانت سيئة قالوا: اللهم! أهدهم كما هديتنا).