وثمة أحاديث نؤمن بها يقينا؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ولكن عقولنا في الحياة الدنيا تعجز عن فهمها، وهذا العرض إنما هو محاولة للإخبار المجمل أن هناك تشابها -بلا شك- بين سعي الإنسان في الدنيا وحياته في قبره، والمعنى بتوضيح أكمل: أن الإنسان كلما كان قريباً من العمل الصالح كان قريباً من النعيم في القبر، وكلما كان قريباً من العمل السيئ كان قريباً من عذاب القبر أعاذنا الله وإياكم من عذاب القبر، يقول صلى الله عليه وسلم -كما أخرج الإمام مسلم في الصحيح-: (مررت ليلة أسري بي وموسى بن عمران قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر)، فأشكل على العلماء كيف يكون موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره؟! وهل في القبر تكليف؟! ثم إنه في نفس الحديث أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه التقى بموسى في السماء السادسة، وفي نفس الحديث يخبر صلى الله عليه وسلم أنه صلى إماماً بالنبيين في المسجد الأقصى ومن جملتهم موسى.
والجواب عن هذا كله: أن عالم الأرواح أشبه بعالم الملائكة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والصلاة في القبر لبعض الخلق نوع من النعيم يتنعمون به؛ لأنهم تعودوا على الصلاة في الدنيا، فيتنعمون بالصلاة في قبورهم كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح، وأحوال أهل القبور: غيب مكنون لا يعلمه إلا الله جل علا، وإنما نمضي في الحديث فيه وفق ما دل عليه شرع نبينا صلى الله عليه وسلم.