الربانيون ودعوة الناس

هؤلاء الربانيون المفترض أنه لا هم لهم إلا جنات النعيم، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الناس مثقلاً بالمرض، مشتداً عليه الوجع، يشعر بصداع في رأسه، فلما كشف الستر ووجد ثمرة فعله صلى الله عليه وسلم ووجد الصحابة كلهم على قلب واحد يصلون تبسم صلوات الله وسلامه عليه نسي المرض الذي أصابه نسي الآلام التي يعانيها نسي العناء الذي يجده؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان قار العين، فرح الصدر أن أمته من بعده لزمت طريقه المستقيم، ونهجه القويم.

وكذالك الدعاة الربانيون، والعلماء الصالحون، والمصلحون في الأرض ينبغي أن يكون همهم شيء واحد، وهو أن يلزم الناس طريق الهدى، وأن يتبعوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم.

يا أخي! لا تنتظر من أحد حمداً ولا شكوراً، ولا تنتظر أن يذكرك الناس بلسانهم، ولا أن يشيروا إليك ببنانهم، لا تنتظر كلمة مدح، ولا شريط يوزع.

أخلص نيتك لله جل وعلا، وتقرب إلى الله بالدعوة إليه، واعلم أن الدعوة إلى الله أعظم القربات، ووظيفة الأنبياء، ومهمة المرسلين: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].

ادع إلى الله في بيتك مع زوجتك وأولادك، ادع إلى الله جل وعلا في مواطن عملك، كن هيناً ليناً، يأخذ الناس منه قولهم، كن هاشاً باشاً يعلم أن الناس لا يمكن أن يجمعوا على قلب واحد، ولذلك قال الله لنبيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

يؤتى إليه صلى الله عليه وسلم بالرجل وقد شرب الخمر فيجلد مرة بعد مرة، ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم، والله ما علمته إلا محباً لله ولرسوله)، إذا أراد أن يدعو دعا بأسلوب حسن لين، يردف معاذاً خلفه، ثم يقول له: (يا معاذ! والله إني لأحبك)، فيحلف صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة لمثله أن يحلف، ثم يقول: (يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

من أراد أن يدعو إلى الله فليكن هيناً ليناً، يبتسم للمسلمين، ويعلم أنه لا يخلو مؤمن من خطيئة.

العبد الصالح ذو العلم والبصيرة يتبع سبيل الحكمة ويبعد عن طرائق الفتنة؛ جاءه صلى الله عليه وسلم عمرو بن عنبسة أول بعثته صلوات الله وسلامه عليه وهو رابع أربعة في الإسلام فقال: (من أنت؟ قال: أنا نبي.

قال: وما نبي؟ قال: نبي أدعو إلى الله وأحذر من عبادة الأوثان، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى ديار قومك)، أي: لا تعرض نفسك للفتنة، قال: (فإذا سمعت أن الله أظهرني فأتني).

ولم يبتله صلى الله عليه وسلم، فقد يقدر العالم على شيء لا يقدر عليه داعية، ويقدر داعية على كلمة لا يقدر عليها من هو أدنى منه، ويقدر المعلم على كلمة لا يقدر عليها الطالب، ولا يمكن أن يكلف الناس كلهم بالدعوة إلى الله على طريق واحد وعلى كلمة واحدة.

لكن المؤمن قلبه يحترق إذا رأى منكراً، ويحترق إذا رأى معروفاً لا يؤمر به، ومع هذا فعليه أن ينظر إلى وضعه، وإلى أي الطرائق أجدى وأنفع في الدعوة إلى الله جل وعلا.

وكم من كلمة حرمت كلمات، وكم من محاضرة منعت محاضرات، وكم وكم مما لا يخفى على أحد، فالمسلم ينبغي عليه أن يكون همه الأول والأخير أن تبقى الدعوة إلى الله جل وعلا قائمة، لا أن يبقى الأشخاص، فإن كان محمد صلى الله عليه وسلم مات والدين باق فمعنى هذا أن الدين لا يعلق بأحد، ولو كان أعلم أهل الأرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015