أعني بها جريدة الصباحية، وقد طالعتنا بمقال في (22/4) بعنوان الزميل أحمد الربعي سابقاً يتحدث عن تولي هذا الرجل لوزارة التربية والتعليم في الكويت، وهذا الرجل ذو تاريخ شيوعي معروف، ومع ذلك حاول الكاتب أن يلمعه بعض التلميع.
وقال: إنه نموذج لمئات الشباب الذين عادوا إلى البيت برؤية جديدة وحماس جديد بعدما عاشوا لذة الانعتاق التائه وقصبة البهيمي الجوال، ثم يقول: وهناك ما زال ضائعون آخرون بدلاً من أن يتجهوا يساراً اتجهوا يميناً -أي: بدلاً من أن يكونوا شيوعيين أصبحوا اليوم إسلاميين أو أصوليين- كما يعبر: فغرقوا في تهويمات الحزبية الضيقة التي انتقلت بقضها وقضيضها من ماركسية متزمتة إلى أصولية متزمتة -انظر كيف قابل بين هذا وذاك؟ - قال: وكل تطرف منبوذ أياً كان لونه وشكله وطريقته، وليت هذا الجيل يتعلم من الجيل الذي سبق، فيكتشف أن خير الأمور الوسط، وأن الواقع أكبر بكثير من الأحلام الملساء -يعني: كأن ما ينادي به ويدعو إليه دعاة الإسلام هي: أحلام ملساء يخدرون بها عقليات الشعوب، أو يخدعون بها بعض الأتباع.
ثم يقول: والمعارضة الحقة هي التي تتحمل المسئولية، فالعروبة لم تعد أحلاماً ومحاضرات ومظاهرات، وتصفيقاً وهتافاً، بل أصبحت نظرة بعيدة إلى المستقبل تنطلق من المصالح والأماني المشتركة، والمعارضة الحقة: هي التي تتحمل المسئولية وتضع نفسها للحظات في موقع صاحب القرار حين يتخذ قراره.
إن التطوير والتبديل ليس إثارة للجماهير، واستغلالاً لطبيعتها السهلة وعزفاً لغرائزها، بل هما الانطلاق من واقع ملموس ومن قيم حضارية، ومن مقتضيات لا تقبل التطويح والمجازفة بأقدار الشعوب في مغامرات غير محسوبة، أليس مثيراً للاستغراب أن يمضي العربي من عمره عقدين من الزمن هما زهرة حياته في ممارسة الخطيئة قبل أن يئوب إلى رشده؟! هذا الرجل من الواقع أولاً: أنه يقارن بين ما يسميه بالأصولية الإسلامية، وبين الماركسية الشيوعية، وشتان شتان -عندنا- بين شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وهي شجرة الباطل وكلمة الباطل وبين شجرة ثابتة وطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي شجرة التوحيد والإسلام.
ثم شتان -عندنا- بينكم أنتم يا معشر اليساريين والماركسيين الذين كنتم يوماً من الأيام تخادعون الشعوب بالوعود والأحلام المعسولة، ثم اكتشفت الشعوب زيف دعاياتكم وأحلامكم وأقاويلكم، فانصرفت عنكم وتركتكم وبصقت على أقوالكم وشعاراتكم ومذاهبكم وأحزابكم، وبين أمة عرفت دينها؛ فاحتشدت حول دعاة الإسلام وتشربت حقيقة الدعوة فآمنت بها، لذلك انجفلت إلى العلماء وإلى الخطباء وإلى الدعاة، ليس لأنهم يرفعون الشعارات كما تريدون أن تصوروا، وليس لأنهم يغرونها بالأحلام الملساء، فإن دعاة الإسلام لم يعدوا بحلم قط، ولم يعدوا أحداً بشيء، وما قالوا لأحد نوليك وزارة ولا منصبا، بل هم بعيدون كل البعد عن زخرف الدنيا، وهذا من حكمة الله تعالى أن أهل الإسلام ودعاته ليسوا أصحاب أموال ولا أصحاب مناصب ولا أصحاب جاه، حتى يقبل من يقبل على الإسلام بصدق وطواعية ورغبة وهو لا يطمع في غير الجنة ورضوان الله عز وجل، فإن الله تعالى لم يعد بغير ذلك قال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:29-33] فاليوم اليوم انتهت الدنيا ونحن في موقف القيامة {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:34-36] .
نعم والله ثوبوا ما كانوا يفعلون، إذاً فلا أحد من دعاة الإسلام يعد الناس بالدنيا، وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعد أصحابه -خاصة في الفترة المكية وهم يؤذون ويعذبون ويضطهدون- إلا بالجنة، {صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة} فشتان بين ما يريد أن يصوره، ويريد أن يقول: إن احتشاد الناس حول الدعاة، وإقبالهم على الدعوة، هو شبيه باحتشادهم من قبل حول الماركسية والأحزاب العلمانية.