شمولية التعليم والتربية

إننا نعتقد أن العالم الإسلامي يعيش أحياناً لوناً من النقص أو التقصير أو التشويه، فليس بغريب أن ترى قوماً قد تحيزوا وتحزبوا على جزء من الدين وغفلوا عما سواه، ليس فقط أنهم لم يشتغلوا به بل ربما عابوا من يشتغل به! فأردنا أن نقول للناس ما يلي:- أولاً: لا بد من العلم والحفظ، العلم بالقرآن والعلم بالحديث، أي: العلم بالنص الشرعي قرآناً وسنة، والعلم بأقوال أهل العلم، والقواعد الشرعية، والأصول العلمية، والنحو والعقيدة والتفسير والحديث، وغير ذلك، لا بد من هذا ولا بد من تربية الجيل عليه.

ثانياً: ولكن هذا وحده لا يكفي حتى ينضم إليه الأمر الآخر: وهو الفهم والفقه، وليس مرادنا أن نخرج شباباً يستظهرون النصوص ويحفظونها، ثم يكون حالهم كما قال لشاعر: زواملُ للأسفار لا علمَ عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعرِ لعمرُكَ ما يدري البعير إذا غدا بأحماله أو راح ما في الغرائرِ لا، إن هؤلاء الشباب الذين نقدمهم اليوم للأمة الإسلامية شباب أضافوا إلى العلم والحفظ الفهم والفقه، فهم عارفون بمعاني كتاب الله، عارفون بمعاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندهم بقدر سنهم وعمرهم إلمام بالقواعد الفقهية، ومعرفة بالأحكام الشرعية، وقدر من الفهم باللغة العربية، ونوع من الاهتمام بالأدب والشعر.

فهم أصحاب مواهب متنوعة، وعلوم شتى، جمعوا هذا إلى ذاك، ولم يرضوا بمجرد معرفة النصوص حفظاً حتى أضافوا إلى ذلك فهمها ومعرفة معانيها، ولكن العلم والحفظ مضافاً إليه الفهم والفقه لا يكفي إذا استبطن صاحبه اغتراراً واستغناءً عن العلماء الآخرين، وشعوراً بالاكتفاء الذاتي.

ثالثاً: ولهذا كان أولئك الشباب الذين سمعهم الناس أو سمعوا نماذج منهم لم يستبد بهم الغرور ولا العجب ولا الاستكبار، بل هم ذوو تواضع جم، ومعرفة بتواضع أهل العلم السابقين واللاحقين، فهم أمام من يكبرهم سناً أو علماً أو قدراً في غاية التواضع والأدب والاحترام والتعلم، لا يستنكفون أن يتعلموا من أي إنسان مهما كان، مهما كان قدره وشأنه، فضالتهم المنشودة العلم والفهم والفقه، يبحثون عنها، ويستحي الواحد منهم أن يتقدم بين يدي معلمه أو شيخه برأي غريب أو قول شاذ أو مذهب مستبعد، فهم حريصون على تقفي آثار جمهور علماء الأمة من السلف والخلف لم ينفرد أحد منهم بقول أو يشذ برأي يبتكره من قبل نفسه، أو يفتات به على غيره من أهل العلم والفقه والإيمان.

رابعاً: وكل هذا لم يكن لينفع أو يجدي لولا توافر الأمر الرابع الذي ندعو إليه وننادي به ونربى عليه: وهو أن ثمرة العلم هو العمل والصلاح والعبادة، فأنت ستجد هؤلاء الشباب -إن شاء الله- لو صبرتهم وراقبتهم من المبكرين إلى المساجد، الحريصين على النوافل المقبلين على الخيرات، المسارعين إلى الطاعات، البعيدين عن المعاصي والذنوب والموبقات كبائرها وصغائرها، بقدر المستطاع إلا ما استثناه الله عز وجل {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النجم:32] فقد ظهرت آثار العلم والمعرفة وسيماهما في طلبة العلم في عبادتهم وسلوكهم وآدابهم وخلقهم مع القريب والبعيد والكبير والصغير مع الجميع؛ فالحمد لله الذي حباهم هذا إلى ذاك.

خامساً: وكل ذلك تضاف إليه التربية على مكارم الأخلاق ومعانيها، والقيام بالدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إذاً نقول: لقد حاولنا أن نقدم للناس نموذجاً يقتفي أثر الصحابة رضي الله عنهم في الجمع بين العلم والعمل والدعوة والجهاد وعدم الاقتصار على شيء من ذلك.

وهذا لا يعني التبرؤ من النقائص والعيوب؛ بل نحن معدنها وأهلها، ولا شك أنه ما من عمل إلا ويعتريه النقص والعيب، ولكننا نعلنها صريحة مدوية مرددين كلمة الإمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه [[رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا]] .

لماذا نقول هذا أيها الأحبة؟! يعلم الله عز وجل أنني لا أقول هذا الكلام لمجرد الإطراء والمديح لفئة من طلبة العلم في هذه المنطقة أو في غيرها، وإنني أسمع من يمدحهم فأكره ذلك ويضيق صدري به خوفاً من أن يتسرب إلى نفس أحد منهم شعوراً لا نرتضيه، أو أن يتسلل الشيطان من خلال كلمة أو عبارة.

ولكنني أقول هذا: لأنني ممن يدعو إلى تدمير الانفصام المفتعل والعناد المتكلف بين القضايا الشرعية.

فإن الكثير من الشباب يسألون في أحيان كثيرة: كيف يتم الجمع بين العلم وبين الدعوة؟ وآخرون يقولون: أيهما أفضل! العلم أم الجهاد؟ وثالث يقول: بأيهما أبدأ بالعلم أم بالتربية؟ ورابع يسأل عن الجمع بين العلم والعمل؟ فكأننا جعلنا القرآن عزين، ومزقنا ديننا كل ممزق، فأصبحنا محتاجين إلى من يرفع راية الجمع بين هذه الأشياء كلها.

وليس من شرط من يرفع هذه الراية أن يفلح في تحقيق كل هذه المكاسب والمطالب، فإن الإنسان بطبيعته محدود الإمكانيات، محدود الوقت، محدود القدرة، ولا بد أن يفوت عليه شيء كثير، فإن اعتنى بالعلم قصر في العمل وإن اعتنى بالعمل قصر في الجهاد، وإن اعتنى بالجهاد ربما فرط ببعض أمور الدعوة أو العلم الشرعي وهكذا، لكن يكفينا أن نعلن أننا نؤيد كل من يقوم بعمل من هذه الأعمال.

فنحن نؤيد العلماء في حلقات علمهم، ونؤيد المجاهدين في خنادق جهادهم، ونؤيد الدعاة في ميادين دعوتهم، ونؤيد المصلحين في حلقات تعليمهم وإرشادهم ووعظهم، ونؤيد كل صاحب خير يدعو إليه ما دام على الكتاب والسنة.

ثانياً: هذه هي الرسالة التي حرصت تلك المسابقة بفعاليتها المختلفة أن توصلها إلى الجميع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015