سعة صدره، واحتماله للناس على اختلاف طبقاتهم، ومشاربهم، ومستوياتهم العلمية، والاجتماعية، والإدارية، والوظيفية، فهو حليم لا يضجر على كثرة من يأتونه من الناس، تأتيه أعداد غفيرة من الناس، كل إنسان له عمله، وله سؤاله، وله مشكلته التي يريد من الشيخ أن يشاركه فيها، وأن يساعده في حلها فتجد أن الشيخ يقبل على كل إنسان، ويبتسم له، ويباسطه، ويسأله عن حاله: من الأخ؟ وأين تعمل؟ وهل أنت متزوج؟ وما عندك من الأولاد؟ وفي أي مكان؟ فإن كان يعرف البلد الذي هو فيه سأله عن البلد؟ وسأله عمن فيه من أهل العلم؟ حتى لو كان هذا الإنسان شاباً صغير السن، هذا أمر عجيب!!! فإنك إذا جلست مع الشيخ ساعة أصابك الضجر والملل من كثرة من يأتونه، وأنت تعلم أن الناس دائماً وأبداً لا تهمهم إلا حاجاتهم، فكل إنسان همه شغله ولو كان شغلاً تافهاً أحياناً.
فيأتي إنسان في قضية شخصية جداً لا تعني أحداً فتجد أنه يطول الكلام مع الشيخ، ويبدأ في التفصيل، والحديث المطول، ويأتي بمقدمات لا حاجة إليها، وأنت لا يعنيك الأمر، فأنت تأتي مجرد زائر للشيخ فتصاب بالضجر والملل من هذه التفاصيل التي لا حاجة إليها، أما الشيخ فإنه يطأطئ رأسه، ويهز رأسه، ويقول: نعم.
ويصغي أذنه لهذا الإنسان حتى ينتهي من كل ما عنده ثم بعد ذلك يوجهه الشيخ بما يراه، فإما أن يوصيه بالصبر والاحتساب، وإما أن يأخذ أوراقه، ويعده أن يكتب معه، وإما أن يساعده بما يمكن، وهذا أمر يعجب منه الإنسان، منَّة حباها الله للشيخ قلما تتوفر في غيره.
وعلى كثرة من يأتيه، يأتيه بعض الأحيان أناس أخلاقهم سيئة، طباعهم غليظة، ليس عندهم أدب العلم، ولا معرفة أقدار العلماء، فربما رفع الواحد منهم صوته على الشيخ، وربما أغلظ له في القول، بل رأيت بعضهم وهو يمسك بجيب الشيخ بيديه، ويقف في وجهه، والشيخ يريد أن يمشي، ويهز يده في وجهه قائلاً: يا شيخ! اتق الله، ومع ذلك كله لا يخرج الشيخ عن طوره.
أغلظ كلمة تسمعها من فم الشيخ أحياناً أن يقول لبعض الحضور إذا زاد في الكلام أو تكلم فيما لا حاجة له: سبح سبح، أي: اشتغل بذكر الله والتسبيح والتهليل، وهذه صفة الحلم، وسعة الصدر، وعدم الضجر، هذه من أخلاق الأنبياء، فأنت لو تصفحت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت أن الشيخ عبد العزيز حفظه الله قد اقتبس هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى كثرة من يأتيه من الناس، من الأعراب، وأهل البادية، والجفاة، والأقارب، والأباعد حتى من الأعداء والخصوم، كان صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيحاً لهؤلاء جميعاً، ربما تأتيه الجارية تشكو إليه أذىً في بيتها من سادتها، فيفسح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتكلم بكل ما في نفسها، ثم يشفع لها عند سادتها ومواليها.
وقد يأتيه رجل يريد أن يشفع إلى امرأة هو يريدها وهي لا تريده، كما حصل في قصة مغيث وبريرة، عندما أعتقت بريرة فرفضت مغيثاً، فكان يبكي شوقاً إليها وحباً لها، حتى جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له أن يشفع إليها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة وقال لها: {ما لكِ عن مغيث؟ فقالت: يا رسول الله! تأمرني؟ قال: لا.
إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي به} .
ونحن بحاجة إلى أناس على هذا الغرار، وهذه الوتيرة، تكون صدورهم مفتوحة للأمة، لمشاكل الأمة، لأحاديث العوام، يحرصون على أن يتعودوا على السماع من الناس، واحتمال جفوتهم، وغلظتهم، وقسوتهم، وسوء أدبهم حتى تجتمع حولهم الأمة قال الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] .