الجانب الأول: مواقف الشيخ مع الحكام والسلاطين وهي كثيرة معروفة: خاطب حكام البلاد العربية كلهم أو جلهم، ولقد أطلعني وأطلع غيري من الدعاة على أشياء من ذلك؛ فضلاً عما تسامع الناس به كلهم، فكتب إلى جمال عبد الناصر يوم أعدم الأستاذ سيد قطب ومن معه من الدعاة خطاباً قوياً مشهوراً محفوظاً، وكتب إلى رؤساء الدول العربية، كتب إلى رئيس الجزائر الهالك، وكتب إلى رئيس تونس، وكتب إلى رئيس اليمن، وكتب إلى رئيس مصر، وما حدثناه أو اقترحنا عليه أن يكتب إلى حاكم من هؤلاء الحكام، أو طاغية من هؤلاء الطواغيت إلا أبدى موافقته وكتب إليه، يكتب مذكراً، وناصحاً، وداعياً إلى الرفق بالرعية، والحرص عليهم، وتحكيم الكتاب والسنة، وما أشبه ذلك من المعاني، ويا ليت أن ما كتبه سماحة الوالد ينشر على الناس؛ ليعلم الناس أن الشيخ يكتب لهؤلاء، ولا يرضى ما يفعلونه من إيذائهم لرعاياهم، أو حكمهم بغير الكتاب والسنة، أو ما أشبه ذلك، ولكن كثيراً من ذلك يعلم ولو بعد حين، أما كتابة الشيخ عن بعض الذين جاهروا بالفساد فهو معروف، وأذكر -مثلاً- أنه قد تكلم عن رئيس تونس البائد الهالك أيضاً كلاماً معلناً لما أنكر بعض ما في القرآن الكريم، وسخر ببعض القصص القرآنية، واستهزأ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وألغى بعض الأحكام الشرعية، فكتب الشيخ كلاماً، قوياً، رصيناً، معلناً كان له صدىً كبير في صدور الناس.
وبعضهم يلتقون بالشيخ فيحادثهم مباشرة بينه وبينهم بالنصيحة التي يدين الله تعالى بها، فهذا جانب من شجاعة الشيخ.
الجانب الثاني: شجاعته مع الناس، فهذه شجاعة يجب ألا تجهل مع العامة، ومع بعض طلبة العلم أيضاً فهذا مهم أيضاً، هناك من الناس المحيطين بالكبار من يكون له لون من التلبس والحصار الفكري الذي يصعب الفكاك منه، أي أن: بعض طلبة العلم، وبعض الدعاة المعروفين، وبعض الكتاب، وربما بعض الفقهاء إذا صار حوله طلاب، فهؤلاء الطلاب لهم اتجاه، وفيهم قوة أو شدة، فإنهم يظلون يحيطون بالشيخ، ويتكلمون معه، ويكثرون حتى ربما أثروا عليه وأصبح من الصعب عليه أن يخالفهم، أما سماحة الوالد فهو شجاع مع الجميع، فإذا رأى أن الحق خلاف من حوله؛ قاله لهم ولا يبالي بهم، وإذا رأى أن الحق خلاف ما يعتاده العامة أيضاً قاله ولو خالفه من خالفه في ذلك، فله في هذا شجاعة ومواقف مشهودة واضحة، وهو يرى أن الشجاعة تكون على كل صعيد، فهي ليست مع الحاكم فقط؛ بل هي مع الحاكم والمحكوم وطالب العلم ومع الكل.
والبعض يستغربون المواقف الرسمية للشيخ، ويرون أن الشيخ يُستغرب منه ذلك، كيف قال كذا؟ وكيف تكلم بكذا؟ وكيف خاطب بهذا الخطاب؟ أو نشر هذا الكلام؟ أو أفتى بكذا؟ وأقول حسب معرفتي بالشيخ عن قرب: إن ذلك لم يكن من الشيخ -حفظه الله- مداهنة لأحد، ولا مجاملة لأحد، ولا كسباً لرضى فلان أو فلان، وإنما هذا ما يرى الشيخ المصلحة فيه، أو ما يراه الحق، فهو يقوله بغض النظر عن مدى موافقة الآخرين معه أو مخالفتهم له، لكنه لا ينطلق من مجاملة، أو مداهنة، أو مصالح شخصية، وإنما ينطلق مما يرى أنه الحق، أو ما يرى أن فيه مصلحة عامة للمسلمين، وهذا ينبغي أن يقال حقاً، وبغض النظر أيضاً عن هذه المواقف، وكونه ووفق أو خولف فيها، أو كونها توافق رأي فلان أو علان، لكن الشيخ ينطلق من منطلقات الإخلاص والنصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، هذا الذي أعتقده وأدين الله تعالى به.