وسواء كان هذا الخلاف خلافاً فقهياً في مسائل فقهيه، أم خلافاً في أمور اجتهادية واقعية، فإن الشيخ من أكثر العلماء الذين عرفتهم وعاشرتهم اتساعاً في الصدر لهذا الخلاف، وقبولاً لرأي المعارض، وحلماً على من يقول به، فهو لا يقول بالكلمات النابية على من خالفه، ولا يلقى باللائمة عليه، ولا يتهمه، ولا يسيء الظن به، ولا يتهجم عليه أبداً؛ لكن هذا لا يمنع أن يرد على من خالفه بالكلمات الطيبة، والعبارات المؤدبة.
ولذلك اجتمعت عليه الكلمة، واتفقت عليه الأمة، فقلما تجد أحداً يخاصمه أو يبغضه، اللهم إلا أن يكون مبتدعاً مصراً ضالاً، فهذا لا شك أنه يبغضه لأنه من حملة لواء السنة الداعين إليها الذابين عنها.
أما الباحثون عن الحق فيحبونه حباً شديداً ولو اختلف معهم، وما أحوجنا إلى هذا خاصة شباب الدعوة والصحوة، ونحن نجد أن الخلافات تمتد وتكبر، سواء الخلافات الفقهية في مسائل كثيرة، أو الخلافات العملية وتجد الكثير من هؤلاء قد يسمعون رأي الشيخ عبد العزيز نفسه في بعض هذه المسائل فلا يلتفتون إليه، ويقول بعضهم: الشيخ لا يعرف حقيقة الأمر، أو الشيخ تخفى عليه بعض الأمور، الشيخ الشيخ يا أخي: الشيخ إمام، والشيخ حجة، ونحن لا نقول: إن الشيخ معصوم، من حقك أن تخالفه، أو تخالف غيره، لكن ينبغي أن تلتزم بالأدب مع الشيخ ومع غيره ممن تخالفهم.
نحن لا نمنع أن يكون لك رأي، لكن هذا الرأي لا ينبغي أن تطرحه على أنه هو الدين، وهو الحق، وأنك أنت الناطق الرسمي باسم الكتاب والسنة، وأن من خالفك ليس من أهل الكتاب والسنة، أو ليس على الطريقة الصحيحة، أو ليس على الجادة، أو ما أشبه ذلك.
اطرح ما لديك بتواضع، واعتدال، وتعقَّل، وقل: هذا رأيي وهو صواب يحتمل الخطأ -كما قال الشافعي رحمه الله- ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
لكن لا تجعل رأيك ديناً توالي وتعادي عليه، وتفاصل من أجله وتقارب.
اطرح رأيك باعتدال يا أخي! كما يطرح الكبار آراءهم، إن كثيراً من الشباب الذين لا يزالون في بداية الطلب يطرحون بعض آرائهم وهي آراء -والله العظيم- ضعيفة، فيطرحونها على أنها الحق، فإذا خالفهم فيها أحد أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، ونالوا منه بأقوالهم وأفعالهم، واتهموه في دينه، ونيته، وقصده، وفي أما الأئمة الكبار فيطرحون آراءهم باعتدال، وبكلمات مختصرة، وبعبارات هادئة، ولا يتحمسون لها ذلك الحماس، لأنه رأي واجتهاد، ليس نصاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فيا ليت أن شباب الصحوة يقتربون من سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز وأمثاله؛ ليتعلموا منهم حسن الأدب في تقديم الرأي، وحسن الأدب في معاملة المخالف، والاعتدال في الحماس.