فتجد أنه يسمع أخبار المسلمين في مصر، أو سوريا، أو تونس، أو الجزائر، أو المشرق، أو المغرب كما يسمع أخبار المسلمين في أقرب بلد إليه.
ويأسى لذلك ويحزن، وأحياناً يبكي وتنهل دموعه، وفي آخر مرة وقد تحدث بعض المشايخ، وكنا عنده عن بعض هموم المسلمين فرأيت الشيخ وقد أصابه الحزن والكآبة والهم من ذلك، وكأنه لا يملك شيئاً فقال: قد كتبنا لهؤلاء، كتبنا لرئيس تونس، وكتبنا لرئيس الجزائر، وكتبنا لرئيس اليمن، وكتبنا ولكن هؤلاء لا يردُّون علينا.
فقلت له: يا شيخ! ادع الله تعالى لهؤلاء المستضعفين من المسلمين في تلك البلاد في الثلث الأخير من الليل، فقال لي: إنني في كل ليلة ادعو لهم وللمسلمين.
فسبحان الله! هذا القلب يحمل هموم أمة بأكملها، ليس فقط الحزن لهم، بل تجد أنه يبذل المستطاع، يرسل الوفود هنا وهناك، ويرسل المندوبين، ويبعث بالأموال الطائلة إلى المسلمين في كل مكان، ويخاطب بعض المسئولين هنا وهناك فيما يعتقد أن فيه مصلحة، هذا ما يستطيعه، ويرى أن ذلك ينفع ويدفع بإذن الله تعالى.
ونحن نحتاج أيضاً إلى هذا الأمر، نحتاج إلى دعاة يخرجون من الهم المحلي إلى الهم العالمي، ويعيشون مشاكل المسلمين في كل بلد.
ليس فقط أن مسلماً ذبح، أو أن مسلماً مات جوعاً أو عطشاً هذا لا بد منه، ولكن المسلمين في بلاد العالم كلها يعيشون جهلاً وغيبة عن الإسلام، وكما يحتاجون إلى السلاح للدفاع عن أنفسهم، أو الطعام والشراب، يحتاجون أيضاً إلى من يعلمهم السنة والكتاب، ويربيهم على العقيدة الصحيحة.
أقول: إن للشيخ مندوبين ودعاة في كل بلاد العالم، أكثر من ألف داعية يتبعون المكتب الخاص للشيخ، ويقوم الشيخ بالإنفاق عليهم ودفع رواتبهم، وربما بعث من يتحرى أحوالهم، وهذا يذكرنا بتلك القصيدة التي كان يمدح بها بعض الزعماء السابقين ونحن نستعيرها لإمام من أئمة السنة وإن كان أصل هذه القصيدة ليس كذلك: له خلف بحر الصين في كل بلدة إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر رجالٌ دعاةٌ لا يفُلّ عزيمهم تهكّمُ جبارٌ ولا كيد ماكر إذا قال مروا في الشتاء تسارعوا وإن جاء حرٌ لم يخف شهر ناجر هموا أهل دين الله في كل بلدة وأرباب فتياها وعلم التشاجر وهذا الأمر يدعو إلى وقفة، عند الشيخ ألفُ داعيةٍ، وهذا أمر كبير وعظيم.
ولكن السؤال الذي يسأل نفسه: كم يوجد في العالم من داعية إلى النصرانية؟ وكم يوجد من مؤسسة وهيئة رسمية تتبنى أولئك الدعاة؟ وكم يوجد من دولة تسهر وراءهم؟ بل كم يوجد من مؤسسة تملك من الميزانية الضخمة والأوقاف الطائلة للصرف على هؤلاء؟ على حين أن المكاتب المخصصة للإنفاق على الدعاة الإسلاميين غالبها مكاتب تطوعية من المحسنين.
إن الشيخ فيما يبدو يكاد وكأنه يتحرك لوحده في هذا الميدان، ولذلك هو لا يستطيع أن يشرق على الدنيا كلها، ولا أن يحيط بأوضاع ألف داعية، كيف هم؟ وما مدى التزامهم؟ وما مدى قيامهم بالواجب؟ وما مدى صلاحيتهم؟ لا يستطيع، فاليد الواحدة لا تصفق.
فالشيخ أحياناً تشعر بأنه يتحرك لوحده، ونحن نطالب الدعاة بأن يكون كل واحد منهم يسد هذه الثغرة، فلو وجدنا مائة داعية في هذه البلاد كل واحد منهم تبنى عشرة من الدعاة في العالم الإسلامي ينفق عليهم، ويجمع من أموال المحسنين لدفع رواتبهم، وكل واحد من هؤلاء الدعاة له مكتب ومركز، وله مدرسة لوجدنا أننا غطينا مساحة كبيرة في ذلك.
إنني أدعو الدعاة وطلبة العلم بهذه المناسبة إلى أن يشاركوا في حمل هذا العبء الكبير، ونحن نسمع اليوم أن أطفال المسلمين في البوسنة والهرسك يلتقطهم النصارى في كل مكان، ويأخذون منهم، ويختارون على عيونهم من يعجبهم، ويربونهم في الكنائس ومدارس التنصير؛ ليتخرجوا لا أقول نصارى، بل قسيسين ومنصرين ودعاة إلى دين النصرانية.
فأين المسلمون اليوم؟! إنني أدعو الدعاة وطلبة العلم إلى أن يشعروا أن المسئولية ملقاة على عواتقهم قبل غيرهم، وأنه لا يجوز أن يلقوها على جهات أخرى رسمية أو غير رسمية، وأن يعتمدوا على الله عز وجل ثم على أنفسهم، وكل إنسان يستطيع أن يقوم بهذا المشروع في نطاقه الشخصي، ولو بصورة محدودة، فيحاول أن يحصل على تربية واحد أو أكثر من أطفال المسلمين مثلاً، أو يحرص الداعية أو طالب العلم على أن يتابع أوضاع عشرة من الدعاة في العالم الإسلامي ويتكفل برواتبهم، وينظم عملية جمع الأموال للصرف عليهم، ويتصل بالتجار والمحسنين من أجل ذلك؛ حتى نوجد القنوات السليمة التي تساعد هذا الجهد الكبير الذي يبذله الشيخ وتضاعف من بركته.
وهناك مواقف كثيرة للشيخ على المستوى العالمي رسمية، وغير رسمية ربما لا يبديها الشيخ ولا يعلن عنها رعاية لبعض الظروف القريبة والمحيطة التي يرى الشيخ أنَّ من المصلحة مراعاتها ووضعها بالاعتبار.