أمر آخر: إن الحديث عن ابن باز في اعتقادي ومذهبي عبادة إذا صحت فيه النية، ونحن لسنا ممن يتعاطى المديح.
كما أن الإمام ابن باز ليس ممن يحب المديح، ولا ممن يمدح لرغبة أو رهبة، ولكنني منذ جالسته وقاربته شعرت بأنفاس الصدق تتردد في صدره، وشعرت بعلامات اليقين تلوح في قسماته، ورأيت آيات الجهاد الدءوب تشرق في صفحات حياته، فكان من همي منذ زمن أن أخصص درساً أقول فيه لإخوتي من الشباب: إن جوانب عديدة في شخصية هذا الإمام يجب أن تحتذى، هذا كل ما كنت أريد.
وقبل أن أذكر هذه الجوانب أحب أن أقول: إن المديح ليس مذموماً دائماً، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من مدح: فخير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالاتنا سلمة، وأبو بكر وعمر هما السمع والبصر، وعلي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وعثمان تستحي منه الملائكة، وحواريي الزبير وهكذا وهلم جراً.
وقد صنف العلماء في كتبهم أبواباً خاصة في المناقب، ذكروا فيها ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على رجال من أصحابه كالعشرة المبشرين بالجنة، وأمهات المؤمنين، وأهل الشجرة، أهل بيعة الرضوان، وأهل بدر وغيرهم.
ثم صنفوا في مناقب القبائل والبلاد والطوائف وغير ذلك شيئاً كثيراً يطول وصفه.
إذاً: المديح أسلوب تربوي إذا كان في حدود الاعتدال، وإذا كان لغرض صحيح فهو محمود ممدوح.
أما إن كان المديح على سبيل الإطراء المجرد، أو على سبيل التزلف أو الرغبة، أو الرهبة، أو كسب المال والدنيا، أو البحث عن الرزق.
فلا شك أن هذا حينئذ مذموم.
ومثله إذا كان الممدوح يخشى عليه أن يوصله المديح إلى شيء لا يرضي الله تعالى.
فيدعوه إلى شيء من الغرور، أو بطر الحق، أو غمط الناس، أو ما شابه ذلك.