Q مما أعرف أن الواجب على المسلم إذا تلا القرآن الكريم فإنه يجب عليه أن يتدبَّر معانيه، وقد سبق لي أن سمعت أحاديث دالة على هذا، وأنا لم استطع تدبرها، فما الطريق إلى ذلك؟
صلى الله عليه وسلم هذا السؤال يشير إلى أنه لم يستطع تدبر القرآن، فأقول: عدم استطاعته لأسباب لا بد من معرفتها والبحث في إزالتها ودفعها، فقد يكون عدم تدبرك للقرآن ناتجاً عن عدم معرفتك بمعانيه أحياناً، وحينئذٍ عليك أن تقرأ في كتب التفسير أو غيرها، أو تسأل أهل العلم حتى تعرف المعنى الذي دلت عليه الآية.
الأمر الثاني: أن يكون السبب انشغال قلبك في أمورٍ أخرى، وحينئذٍ يكون هذا السؤال مثل سؤال من يسأل فيقول: حاولت أن أخشع في الصلاة فلم أستطع مثلاً، فنقول: سبب عدم الخشوع وسبب عدم التدبر وسبب فعل كثير من العبادات بدون خشوع منا جميعاً -نسأل الله أن يتوب عليّ وعليكم أجمعين- أننا نفعلها بقلوبٍ خاوية، فالخشوع والتدبر والتأمل والتأثر كلها أفعالٌ قلبية من أعمال القلب، فإذا كان القلب مستعداً قام بها، لكن إذا كان القلب مشغولاً بشئونٍ أخرى كثيرة لاهية عن هذه الأشياء، فإنها تضعف بقدر انشغال القلب.
فمشغول القلب يصلي وهو لاهٍ ساهٍ، ويقرأ القرآن وهو لاهٍ ساهٍ، ويدعو وهو لاهٍ ساهٍ، شأن كثير منا في هذا الزمان! فعلى الإنسان أن يحرصَ على تفريغِ قلبه ما استطاع، لا أقول: عليه أن يترك الدنيا كلها! بل عليه أن يحرص على تفريغ قلبه ما استطاع من الشوائب، والإقبال بكليته على الأمر الذي يريده من العبادة، وتوفير أسباب التأثر ما أمكن، وحينئذٍ سيفعل القرآن فعله في النفس؛ فإن القرآن كلام رب العرش العظيم الذي خلق هذه القلوب، ومتى خلينا بين قلوبنا وبين القرآن سنجد من فِعل القرآن في هذه القلوب ما لا يخطر على بال.
وأذكر لكم قصة قرأتها لأحد الشيوخ الموجودين الآن، يقول هذا الشيخ: إنه جمعه مجلس مع بعض المستشرقين الفرنسيين فحانت صلاة العشاء، فقام يصلي بالقوم، فصلى هو والمسلمون، ثم رجعوا إلى مجالسهم، وكان بجواره أحد هؤلاء الفرنسيين وكان كافراً، وكان أيضاً لا يحسن العربية، يقول هذا الشيخ: فلما جلستُ بجواره وجدته قد أخرج منديلاً من جيبه، وهو يمسح دموعاً تتساقط بغزارة من عينه، يقول: فاستحييت من نفسي في هذا الموقف، ولكنني لم أستطع أن أتجاهله، وما حصل أمرٌ غريب، فسألته: ما السر في هذا البكاء؟ فقال: أنا والله لا أدري ما هو السر في هذا البكاء! ولكنني أشعر أن هذا الكلام الذي قلته في الصلاة -يعني القرآن- أشعر أن شيئاً بداخلي يتجاوب ويتحرك مع هذا الكلام، وأنني يجب أن أبكي حين أسمع مثل هذا الكلام؛ مع أنني لا أفقه ما تقول، ولا أدري ما هو، ولكنني أشعر باستجابة في داخلي لهذا الكلام! وهناك قصص مشابهة لا يتسع المجال لذكرها، فحتى الذي لم يعلم ما معنى القرآن، وجد في قلبه نوعاً من التأثر، ولا يلزم أن يكون هذا التأثر في كل إنسان، بل قد يوجد نوعٌ من الناس يوجد في قلوبهم هذه الحساسية والرقة والاستعداد للتأثر! والله أعلم