Q إنني امرأة أشعر وأحس بالضيق عندما أرى إنساناً يشاهد التلفزيون أو يسمع الأغاني، فإنني أريد أن أنصح من حولي، ولكن لا يسمعون لي؛ فأتأثر بذلك، ولا أجد كلمات تأثير، ولا يتأثرون بما أقول، فأرجو من فضيلتكم أن تخبروني عن بعض الكلمات التي تؤثر فيهم وتكون بلينٍ ولطفٍ، ولكم الشكر
صلى الله عليه وسلم الكلمات التي يمكن أن تقال لا يمكن أن نتحدث عنها الآن، وإنما يكتسبها الإنسان من خلال قراءاته في الكتب التي تبين الأسلوب المناسب للدعوة، ومن خلال اطلاع واسع ويحتاج إلى وقت، ولكن أقدم بعض الملاحظات حول هذا الموضوع الذي أشارت إليه السائلة: الملاحظة الأولى -وقد سبقت-: وهي ضرورة أن يكون الأمر والنهي بأسلوبٍ طيب، وحين أرى من الذين أمرتهم أو نهيتهم عدم استجابة، لا ينبغي أن تثور أعصابي وأنفعل، ثم أحطم العلاقة بيني وبينهم، لا ينبغي هذا، بل أُبْقِي الجسورَ قائمة؛ لأن هناك فرصاً أخرى يمكن أن تستغل لأمرهم ونهيهم، وربما تأمرين اليوم فلا يستجيبون، وتأمرين غداً فيستجيبون، فالقضية ليست في يومٍ وليلة، وقد لاحظت كثيراً من الناس إذا أمر بأمر، وَبَيَّنَه، ثم لم يستجب الناس؛ تبرم وضاق بهم، وينسى أن الناس تعودوا أشياء، وتربَّوا على أشياء، وتحيط بهم ظروف كثيرة، لا أقول: إنها تبرر ما فعلوا، معاذ الله! المعصية ليس هناك ما يبررها أبداً، لكن تجعلك تسلك معهم الأسلوب المناسب، وتتلطف معهم في المدخل، وتحرص على أن تدعوهم شيئاً فشيئاً، هذا هو الأمر الأول، وهو التطلف والتدرج في الأسلوب.
الأمر الثاني: أن هذا الوضع وهو كونه لا يستجيب للأمر لا يعني أبداً أننا يجب أن نترك الأمر والنهي، قال الله: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164] إذاً أنت حين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أول من نفعت، نفعت نفسك؛ لأنك أعذرت إلى الله عز وجل، وقمت بالواجب هذا أولاً، ثانياً: أنت تسببت في حماية المجتمع كله؛ لأن المجتمع حين يخلو من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يحل عليه غضب الله وعقوبته! وهذه سنة إلهية لا تتخلف، قال الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود:116] وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قولُه: {إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه} لهذا الحديث طرق يصح بمجموعها.
فأنت حين تأمر وتنهى ولو بالكلمة تكون تسببت في حماية المجتمع من العقاب الإلهي؛ لأنك تسببت في حمايته من المجاهرة بالمعصية والرذيلة وعدم المبالاة.
وثانياً: كل كلمة حقٍ تقولها، ثِقْ بأنها مؤثِّرَة، لكن لا يلزم أن يكون الأثر اليوم، قد تؤثر اليوم، وقد تؤثر غداً، وقد تؤثر أثراً بسيطاً، فيتكلم غيرك بكلمة أخرى، فتنضم إليها، وهكذا حتى يهتدي هذا الإنسان، ولذلك تجدون كثيراً من الناس اليوم يهتدون إلى الله عز وجل بدون سببٍ واضح، فنقول: هؤلاء القوم تأثروا بمجموعة مؤثرات: سمعوا نصيحة، ثم سمعوا أخرى، ثم زارهم أحد الصالحين ونصحهم ولم يقدر، ثم سمعوا شريطاً إسلامياً ثم قرأوا كتاباً، وهكذا حتى تجمعت مجموعة مؤثرات، وربما أحداث معينة، فهداهم الله عز وجل، فكلمة الحق لا تضيع، وعلى الإنسان أن يحرص على أن يقولها باستمرار على الأقل محافظة على المسلمين.