إن وجود المنكرات مستترة مستخفية أمر لا بد منه، ولذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أزهى العهود، وأكثرها التزاماً بالقرآن والسنة، وأبعدها عما لا يرضي الله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجد من الناس من وقع في المعصية، بل وجد المنافقون الذين لم يكتفوا بفعل المعصية فحسب، بل تعدوا ذلك إلى أن أصبحوا يتناهون عن المعروف، ويتآمرون بالمنكر -عياذاً بالله- كما حكى الله عز وجل من خبرهم في قوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67] .
وجد هؤلاء ووجدت المعاصي حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها كانت حالات فردية مستترة خفية، وكان صاحب المعصية يستحيي من إظهارها، ولم يعرف أن رجلاً كان يشرب الخمر والعياذ بالله في الشارع، أو يزني في عرض الطريق، حاشى ذلك المجتمع النظيف من مثل هذه الأعمال!! وإنما كان الرجل يعمل المعصية سراً، فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: يا رسول الله زنيت فطهرني، فيعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه، فيأتيه من الشق الآخر، فيقول: يا رسول زنيت فطهرني، يفعل ذلك أربع مرات، وهذا دليل على قوة الإيمان عنده، حتى وهو يعصي، فحتى العصاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا نوعاً آخر غير العصاة في الأزمنة الأخرى، الذين يجاهرون بالمعاصي ويتبجحون بها، وينكرون على من يخالفهم أو ينكر عليهم.