العقاب المعنوي

Q ما نوع العقوبة التي يواجه بها مدمنو ومروِّجو المخدرات؟ وهل هناك عقاب معنوي لذلك؟

صلى الله عليه وسلم هناك في الشريعة الإسلامية باب واسع اسمه باب التعزير، وأوسع من استخدم هذا الباب هو الإمام مالك، وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده ابن القيم إلى ترجيح رأي الإمام مالك في التعزير، وقد نصوا على أن التعزير للإمام أو من يقوم مقامه، وقد يصل التعزير أحياناً إلى القتل في أمور لم يرد فيها نص، ولذلك قال بعض السلف عن المرابين: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم، فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح، أخذاً من قول الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278-279] .

قال: فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح، فقضية التعزير باب واسع، بالإمكان استخدامه في علاج الأحداث والجرائم التي جدت أو تطورت وتغيرت، واتخذت مجرى آخر غير ما كان معهوداً عند الناس من قبل، هذا فيما يتعلق في نوعية العقوبة التي يواجه بها مدمنو ومروجو ومهربو المخدرات وغيرهم، من أصحاب الجرائم الأخرى، أما فيما يتعلق بالعذاب المعنوي، فأنا كنت أقصد بالعذاب المعنوي ما يسمى بتوبيخ الضمير، بمعنى كون الإنسان الواقع في المعصية يشعر بالألم الداخلي، وهذا موجود، ولذلك في إحصائية نشرها مجلس التعاون الخليجي في أحد كتبه - وهذه الإحصائية تحدثت عن سجن في بريدة للمخدرات - وأوردت إحصائيات معينة، وذكرت الإحصائية بأن تسعة وسبعين في المائة من متعاطي المخدرات يشعرون بعد زوال مفعولها بالندم الشديد والألم والضيق، ويؤكدون أهمية العناية بالتوعية الدينية، والإرشاد والتوجيه في إنقاذ هؤلاء المرضى مما هم فيه، وأرى أن موضوع الدوافع القلبية وتعذيب الضمير موضوع مهم يمكن الاستفادة منه إلى حد كبير؛ لأن الذي يتعذب يدل على وجود شيء من الإيمان؛ إذا أمكن إزالة الغبار عنه وتحريكه فقد ينتعش وينتصر، ومالنا نستغرب ذلك، ونحن نجد اليوم في مجتمعنا ونسمع يوماً بعد يوم عن أعداد غير قليلة من الشباب؛ ممن وقعوا ضحية هذه المخدرات؛ تاب الله عليهم بسبب موعظة سمعوها، أو آية سمعوها، أو عبرة حصلت لهم، أو ما أشبه ذلك؟! فالنفوس قريبة إذا وجدت من يخاطبها بصدق، لأن الدين من ميزته أنه يصعب استغلاله إذا ما كان حديثك عن القضية حديثاً غير جاد، أي لو أردت أن تحرك الإيمان في ضمير شخص وأنت ضعيف الإيمان ما يتقبل منك، لأن (فاقد الشيء لا يعطيه) لكن لو استطعت أن تجعل شخصاً فعلاً يتحدث بإيمان وبصدق وبحرقة وجد القبول، ولذلك قال بعض السلف لأبيه وقد رأى أن أباه واعظ كبير يؤثر في الناس ويبكيهم قال له: يا أبت، مالي أرى الناس إذا سمعوا إليك بكوا، وإذا سمعوا إلى فلان وفلان لا يتأثرون؟ قال: يا بني، لا تستوي النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة!، امراة يموت وحيدها فتبكي عليه بصدق وانفعال، فكل من سمع لها هشَّ وتأثَّر، لكن امرأة يموت إنسان، ولا يوجد في المجتمع من يبكي عليه، فيستأحرون امرأة حتى تبكي مقابل أجر معلوم، فالناس يضحكون منها، فلا بد من إحياء الوازع الديني في قلوب الناس، كذلك لا بد من العقوبة -عقوبة بدنية بالضرب والحبس والغرامات وغيرها- وتوجد عقوبات -كما أشار الأخ- يمكن أن نقول أنها عقوبات نفسية، فأحياناً وقوف الإنسان أمام الناس أو التشهير به أو ما أشبه ذلك، يكون له وقع كبير في نفسه، وقد يردعه ويجعله على الأقل يستخفي بمعصيته أكثر مما يردعه الضرب والجلد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015