وأعجب وأغرب من قصة ماعز قصة الغامدية الجهنية التي رواها مسلم في صحيحه عن بريدة -رضي الله عنها- حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله، إني زنيت فطهرني، فعاملها عليه الصلاة والسلام كما عامل ماعز من قبل، وحاول أن يصرفها فقالت له: يا رسول الله! كأنك تريد أن تردَّني كما رددت ماعزاً! والله إني لحُبلى من الزنا، -لا مجال للتردد، ولا شك؛ فأنا الآن حامل من الزنى، وهى بذلك تدرك أي مصير يسوقها إليه هذا الاعتراف، وهى امرأة ونحن نعلم ما في جبلة المرأة من الضعف، والعجب كل العجب أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين علم أنها حامل قال: لها اذهبي حتى تلدي، فذهبت وبين حملها وولادتها تسعة أشهر بالأحوال الطبيعية، وقد نتصور أن الإنسان أحياناً إذا وقع في المعصية ندم ندماً شديداً؛ لكن إذا مضت عليه أيام وليالي؛ فإن الندم يبدأ يخف، ويبدأ -كما يقولون- في العدِّ التنازلي تدريجياً حتى ربما يضعف عنده إلى حد بعيد، لكن هذه المرأة على الرغم من مضي تسعة أشهر ما زال الندم والخوف من الله عز وجل يؤرِّق مضجعها؛ فتأتي بعد الولادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها صبيها وتقول: يا رسول الله! هذا الصبي قد ولدته، فيقول لها الرسول عليه الصلاة والسلام: {اذهبي حتى تفطميه} وتذهب بصبيها وربما كان بين ولادته وفطامه حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وبعد سنتين - وقبل السنتين تسعة أشهر - يظل الخوف من الله عز وجل والخوف من عقاب الآخرة يقلق بال هذه المرأة، فتأتى بعد سنتين وتسعة أشهر من الجريمة وقد حملت هذا الصبي معها وفي يده كسرة خبز، وهى تقول: هذا يا رسول الله، قد فطمته، فهي وضعت في يده كسرة خبز لتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً هو مفطوم الآن، وقد استغنى بأكل الخبز وغيره عن اللبن، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فترجم ويقام عليها الحد، فحين يتناولها أحد الصحابة بالسب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {والله، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له} وفى اللفظ الآخر: {لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم! وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟} .
فهذه التربية الوجدانية؛ وهذه التربية الإيمانية، وليس الكلام الفارغ الذي قد نتبجح به في الصباح والمساء وفي كل ميدان! التربية الإيمانية التي تجعل المرأة تقلق من جريمة وقعت فيها منذ سنتين وتسعة أشهر؛ فلا ترضى إلا أن يقام عليها الحد، وهى تعلم سلفاً أي حد سيقام عليها، إنه الرجم!