من العدل في الحكم على الأشياء -أيها الإخوة- العدل في الحكم على الدعوات، ونحن نعلم أنه في هذا العصر دعوات كثيرة، قامت تدعو إلى الله جل وعلا، وهي تختلف في مناهجها، وتتفاوت في قربها وبعدها من منهج الكتاب والسنة لا شك، لكن هذا لا يعني أن أجور على قوم، أو أبخسهم حقهم، فالله تعالى يحب العدل، وكوني أنتقدهم، لا يعني أن أنسى ما لهم من الفضائل.
أحياناً تسمع بعض الإخوة يتحدثون عن فئة من فئة الدعاة إلى الله فيحولونهم والعياذ بالله إلى مجموعة من الشياطين -نسأل الله العافية- حتى نطقهم بالشهادتين يحاولون أن يفسروها تفسيراً غير صحيح، وهذا من الجور، والظلم، ومع الأسف أن من يفعلون مثل هذا المسلك -أحياناً- ربما يقدمون في بداية حديثهم بالكلام عن العدل، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90] ثم يكون هذا مسلكهم وهذا أمر مؤسف في الواقع؛ لأن الإنسان يعتقد أن هذا هو العدل، ثم ينسى ما لهؤلاء القوم من الفضائل، وينظر إليهم بعين البغضاء، والعداوة، العين التي لا ترى إلا الخبيث فيه.
هذا والله ظلم وجور، كوني أنتقد هؤلاء، كوني لا أرتضي منهجهم، هذا شيء، لكن كوني أنسى أن هؤلاء القوم لهم محاسن، ولهم فضائل، فالأئمة السابقون كانوا يذكرون حتى محاسن أهل البدع، في الرد على من هو أشد منهم بدعة، في دعوة بعض الكفار إلى الدخول في الإسلام، في مواجهة هجمات أعداء الدين العسكرية، في أعمال خيرية قاموا بها، فنحن لا نتجاهل بدعتهم لأنهم خدموا الإسلام، ولا نتجاهل خدمتهم للإسلام بأنهم أهل بدعة، هذا هو العدل والعدل أن نجمع بين الأمرين.
في النظر إلى الأعمال، والحركات، والمؤسسات، والأشياء التي يقوم بها المسلمون، وتجد في المسلمين إما إفراط، وإما تفريط.
خذ على سبيل المثال: قضية الحركات الجهادية في الفلبين، وفي أفغانستان، وفي إريتريا، وفي فلسطين، وفي كثير من الدول الإسلامية، يندر أن تجد العدل، أنت تنظر الناس فتجد أن منهم من يزيد، ومنهم من ينقص، وتجد من يتحدث عن الجهاد الأفغاني -مثلاً- فيصور هذا الجهاد وكأنه جهاد بريء من الأخطاء والعيوب، وكأنه جهاد الصحابة رضي الله عنهم، ولا يقبل أي نقد، أو توجيه، أو ملاحظة، وهذا لا شك إفراط، لكن في مقابل ذلك، تجد من الشباب من يتحدث عن المجاهدين، وعن الأفغان على أنهم مشركون، وأنهم يعلقون التمائم، ويتوسلون، وعندهم بدع في المساجد، حتى سمعت والعياذ بالله من يقول: هؤلاء مشركون يحاربون ملحدين، وسمعت بل رأيت من يقول: إن من لم يكفر هؤلاء فهو كافر.
أين ميزان القسطاس الذي وضعه الله تبارك وتعالى لهذه الأمة؟! هل هذا هو الاتباع الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم -أبداً- كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعرف للناس أقدارهم، وكان يمدح الإنسان بما فيه، وإن كان فيه ضعف ذلك من العيوب، خذ على سبيل المثال، في حديث أم سلمة، وهو في المسند، وسنده صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن النجاشي: {إنه ملك لا يظلم عنده أحد} فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحسنة، مع أنه كان حينئذ كافراً، وأسلم بعد ذلك، لكن لم يمنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أن يذكر هذه الخصلة الحسنة فيه.
وهذا ما يفتقده كثير من الدعاة اليوم، فهم غالباً ينظرون بعين واحدة، إما ينظرون بعين الرضا فينسون العيوب، أو ينظرون بعين السخط، فينسون المحاسن، وكما قيل: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا