التواضع مع أهل الدون والفسق

وكذلك التواضع مع منهم دونك، فإذا وجدت أناساً يصغرونك سناً، أو قدراً، فأولاً: لا ينبغي أن تنظر إليهم على أنهم أقل منك، إن وجدت إنساناً أصغر منك، تذكر أنه قد يكون هذا الإنسان أسلم منك، فربما وقعت في معاصٍ وذنوب لم يقع فيها، فهو لا يزال بريئاً، بعيداً عن المعاصي؛ لهذا قد يكون أقرب إلى الله منك.

وإن رأيت إنساناً فاسقاً، وأنت رجلٌ ظاهرك الصلاح، فلا تستكبر على هذا الإنسان؛ بل أولاً: احمد الله على أن نجاك مما هو فيه، ثم تذكر أنه قد يكون في عملك الصالح من العجب أو الرياء ما يحبطه، هذا وارد، وقد يكون عند هذا الإنسان من الانكسار، والذل، والندم، والخوف بسبب معصيته ما يكون سبباً في غفران ذنبه.

ولذلك في صحيح مسلم، قصة الإسرائيلي الذي كان عابداً، فكان يقول: والله لا يغفر الله لفلان -لأنه رجل مسرف على نفسه- فقال الله جل وعلا: {من ذا الذي يتألى عليّ ألا أغفر له، فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك} -إذاً- لا تستكبر على أحد، حتى حين ترى الفاسق لا تستكبر عليه، وفائدة عدم الاستكبار -أيها الإخوة- ليس أن تذل لهذا الإنسان، لكن ألا تعامله بأسلوب المتسلط المستعلي.

أحياناً: الإنسان المستقيم يعامل الفاسق بأسلوب لا يدعو إلى الاستجابة، لكن لو أنه ثار في نفسه هذا الشعور أنه قد يكون عند هذا الفاسق طاعات ليست عندي، وحسنات ليست لي، وقد يكون عندي عيوب ليست عنده، فعامله برفق، وتدرج معه في الدعوة، وتلطف معه، قد يكون هذا من أهم أسباب تقبله؛ لأن كثيراً من الفساق يشتكون جفاء الدعاة، وسوء أساليبهم، ويقول كثير منهم: إنهم إذا رأوا إنساناً عليه أثر معصية ظاهرة أساءوا إليه، وأساءوا به الظن، وربما جفوا في معاملته، والأزمنة -أيها الإخوة- تختلف، فالزمن هذا، زمن فشت فيه ألوان من المعاصي، وأصبحت كالعرف المألوف عند كثير من الناس، فمثل هذه الأشياء ينبغي مراعاة انتشارها بأن لا يعتقد الإنسان دائماً أن هذه المعصية تدل على أن هذا الإنسان شرير، وأن باطنه -أيضاً- فاسد فساداً كاملاً.

وإن كنا نعلم -لا شك- أن كل فساد في الظاهر، فله رصيد من الفساد في الباطن بحسبه، ولا يمكن الفصل بين الظاهر والباطن، لحديث النعمان المتفق عليه: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015