العلم بلا عمل

إن هؤلاء حال فعلهم هذه الجرائم هل معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم على هؤلاء الناس بأنهم كفار؟ لا.

أبداً, بل في حديث أبي ذر لما ذكر الإيمان؛ وأن من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق، قال صلى الله عليه وسلم: {نعم إن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر} ، فإنه يدخل الجنة متى شاء الله، بعد أن يعذب بذنوبه، فمن مات على الإيمان والتوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة, فهو يدخل الجنة متى ما شاء الله, لكن لا يخلد فى النار.

معنى نفي الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان عن هؤلاء حال فعلهم المعصية هو ما أشرت إليه فى موضوع معرفة أسماء الله, أن الإنسان حينما يقع فى المعصية لو تذكر عظمة الله, واستحضر أن الله شهيد عليه, لم يطق أن يفعل هذه المعصية, وأضرب لذلك مثلاً بسيطاً: أرأيت لو أن واحداً من هؤلاء القوم كان يزنى -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- ثم اطلع عليه رجل ممن يستحي منه, من صالح قومه, هل يصبح هذا الأمر طبيعياً عند هذا الإنسان ويستمر فى زناه؟

صلى الله عليه وسلم لا, بل إن هذا الإنسان لو أحس أن شخصاً يراه, فسينتفض انتفاض الفزع ويقلع عنه, وكذلك السارق لو كان وهو يمد يده ليختلس شيئاً ويسرقه, وبصر به إنسان يستحي منه أو يخافه, هل سيستمر في سرقته؟ لا سيكف عن هذا العمل وبسرعة, وهكذا الحال في شارب الخمر، وفى غيرهم من أصحاب المعاصي.

إذاً: ما الذي دعاهم إلى أن يخافوا من هؤلاء الناس, أو يستحيوا منهم ولا يستحيوا من الله عز وجل؟ الذي دعاهم إلى ذلك هو غيبة الإيمان عن قلوبهم في حال مواقعة المعصية, وربما لو أتيت لبعض هؤلاء لوجدته يحفظ أسماء الله الحسنى, ويعدها عن ظهر قلب, ولربما يعرف معنى كل اسم من هذه الأسماء, لكن هذه الأسماء لم تتحول إلى علم حقيقي يدخل في القلب, بل إنها علم في اللسان, والحسن البصري يقول: العلم علمان -وروي هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم- علم في القلب, فذلك العلم النافع, وعلم في اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم.

علم اللسان حجة على ابن آدم، فلا بد أن نعرف معنى كل اسم من أسماء الله, ونربى أنفسنا على التأثر بهذه الأسماء, والخوف من الله عز وجل, والرجاء في الله, وطلب ما عند الله.

وإنما مثلت بهذا الحديث وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة} وإلا فهناك أشياء كثيرة جداً نحن نعلمها بألسنتنا لكن لم تدخل إلى قلوبنا, فلا تكون هذه الأمور حجة لنا إلا إذا دخلت إلى قلوبنا, أما إذا كانت في ألسنتنا فيجب أن نعلم أنها حجة علينا، كلنا مؤمنون بيوم الحساب لكن كم واحد منا يحسب الحساب ليوم الحساب في كل عمل من أعماله, ويعمل هذا العمل وهو ينتظر أن يجزى عليه غداً, ويترك هذا العمل وهو ينتظر أنه يجزى على تركه غداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015