فدعونا ننظر أيها الإخوة ما معنى: من أحصاها؟ إحصاء هذه الأسماء يعني أمور عديدة.
الأمر الأول: أن نعرف هذه الأسماء ونحفظها عن ظهر قلب، بحيث يكون بإمكان الواحد منا أن يعدد هذه الأسماء ويسردها سرداً, كما ذكر الله في آخر سورة الحشر وغيرها، فهذا الأمر الأول المطلوب من الحديث.
الأمر الثاني: أن يعرف الإنسان ما معنى كل اسم من الأسماء، فقد يحفظ الإنسان الاسم، ثم لو قلت له: ما معنى هذا الاسم؟ لوقف يقلب كفيه ولا يعلم ما معناه, مثلاً: كلنا نعلم أن من أسماء الله تبارك وتعالى (القدوس) فقد يأتي سائل فيسألك فيقول لك: الله هو (القدوس) ، ما معنى (القدوس) ؟ فتجد أنه سؤال لم تستعد له، وربما أنك لا تعرف معنى (القدوس) .
قد يسألك سائل فيقول: من أسماء الله تبارك وتعالى (السلام) , فما معنى (السلام) ؟ ويأتيك ثالث فيقول: من أسماء الله تبارك تعالى (المتكبر) إلى أسماء كثيرة جداً ربما أن كثيراً منا لو سئل عنها لانتبه لأول مرة أنه لم يعرف معاني هذه الأسماء.
إذاً: فالأمر الثاني المطلوب منا فيما يتعلق بأسماء الله تبارك تعالى بعد أن نحصيها ونحفظها أن نعرف معنى كل اسم من هذه الأسماء، ما معنى الله؟ ما معنى الرحمن الرحيم؟ إلى آخره.
الأمر الثالث: هو أن ندعوه سبحانه وتعالى بهذه الأسماء, قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] , لم يوجب الله تبارك وتعالى لنا أن ندعوه إلا بأسمائه وصفاته, اللهم إلا ما ورد من أن الإنسان يجوز أن يدعو الله بأعماله الصالحة, فيقول: اللهم إني أسألك بأنني آمنت بك وصدقت برسولك وأديت الصلاة أن ترحمني, وقد صح هذا في الحديث الذي تعرفونه جميعا وهو حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة في الغار من بني إسرائيل, فقالوا: {اعلموا أنه لن ينجيكم من ذلك إلا عملكم الصالح, فأولهم تذكر من عمله أنه كان يحلب الحليب, فيأتي لأبويه ليسقيهم, فتأخر ذات يوم فوجد أبويه قد ناما, فوقف على رءوسهم كراهية أن يوقظهم والصبية يتضاغون -أي: يبكون شوقاً وحاجة إلى هذا الحليب- فلم تطب نفسه أن يسقى الصبية قبل أن يسقي أبويه, قال: فما زلت على ذلك حتى برق الفجر فاستيقظا فسقاهما ثم سقى الصبية, اللهم إن كنت تعلم أنني إنما فعلت ذلك ابتغاء ما عندك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرج ثلث الصخرة.
ثم قال الثاني: أنه استأجر أجيراً فأعطاه أجرته، فكأن الأجير تقال هذه الأجرة فلم يأخذها, فنماها له حتى صارت وادياً من البقر, ووادياً من الغنم, وبعد سنين طويلة, جاءه الأجير, وقال له يا هذا اتق الله واعطني أجرتي, قال الرجل: انظر إلى هذا الوادي من الإبل، وإلى هذا الوادي من البقر، وإلى هذا الوادي من الغنم خذها كلها فهذه أجرتك, قال: أتستهزئ بي, قال: إني لا أستهزئ بك، قال: فساقها كلها, اللهم إن كنت تعلم أنني إنما فعلت ذلك خوفاً منك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرج الثلث الثاني، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم ذكر الثالث: أنه كانت له ابنة عم أحبها حباً شديداً، وكانت من أحسن النساء، فأرادها على نفسها, فأبت حتى أصابتها سنة -يعني حاجة شديدة- فجاءت إليه تستدينه فرفض أن يعطيها إلا أن تخلى بينه وبين نفسها ففعلت على كره منها -الحاجة ساقتها إلى ذلك- فلما وقف منها موقف الرجل من امرأته, قالت له: يا هذا! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه, قال: فانصرف عنها, اللهم إن كنت تعلم أنني إنما فعلت ذلك ابتغاء ما عندك فافرج عنا ما نحن فيه, فانفرجت الصخرة وخرجوا} .
الشاهد من هذه القصة: أن الإنسان يجوز له أن يدعو الله تبارك وتعالى بأعمال صالحة, فيقول: اللهم إني أسألك بأني آمنت بك وصدقت برسولك أن تغفر لي وترحمني وتتوب علىّ إلى غير ذلك, كما ينبغي له أن يدعو الله عز وجل بأسمائه الحسنى, كما أمر الله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] , تقول: اللهم يا غفور اغفر لي, يا رحيم ارحمني, إلى غير ذلك من الأسماء, وتأتى لكل اسم بما يناسبه من الدعاء, وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو, هذا هو الأمر الثالث وهو أن ندعو الله بهذه الأسماء.
الأمر الرابع -وهو أهم هذه الأمور وإن كان لا يمكن أن يتحقق إلا بها كلها- هو: أن تكون معرفتنا بهذه الأسماء وهذه الصفات لله عز وجل أمراً يدعونا إلى فعل الخير ويمنعنا من فعل الشر, بمعنى أنك تعرف أن الله رقيب عليك, مطلع على عملك, لا تخفى عليه خافيه, فإذا عرفت هذا الأمر واستقر في قلبك صرت تشعر وأنت في الخلوة أن عليك رقيباً, ولذلك كان أبو الدرداء رضى الله عنه وأرضاه كثيراً ما يقول: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علىّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب فمعرفتك بأسماء الله تجعلك تخاف من الله, وتحب الله, وترجو الله, بل تجعلك لا تخاف إلا من الله, ولا تحب الحب الحقيقي حب العبادة إلا الله, ولا ترجو إلا الله, ولذلك صح فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} .