السر في إباحة الغنائم للمسلمين

إن الإسلام لما شرع الجهاد أباح للمسلمين أخذ هذه الغنائم، وهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: {وأحلت لي الغنائم} وذلك لأن الله عز وجل لما شرع للمسلمين الجهاد أمرهم بأن ينشغلوا به، وهذا الانشغال يمكن أن يُلهي المسلمين عن الزرع -مثلاً- وعن التجارة وعن بعض الأمور الدنيوية، فشرع للمسلمين الغنائم لتقسم بينهم، وجعلها لهم حلالاً ليعوضهم عن انشغالهم، وهذا أمر طبيعي.

فهل من المعقول أن نقول للإنسان الذي يشتغل فرضاً في تعليم الناس الطب: هذا راتبك، ونقول للذي يشتغل في تعليم الناس الهندسة: هذا راتبك، ونقول للذي يشتغل في تعليم الناس الطباعة: هذا راتبك، ثم نترك الذي يشتغل بتعليم الناس العلوم الشرعية من الكتاب والسنة والهدايات التي هي سر تميزنا واختصاصنا، ونقول له: لا يمكن! أن نعطيك أجراً على عملك، هذا لا يمكن، فنحن عندما فرغناه لهذا العمل لابد أن نعطيه مقابل ذلك، وهذا مثلٌ أقصد به أن أبين أن هذه الغنائم التي أحلها الله لهذه الأمة؛ ليس معناها أن الجهاد شُرِعَ من أجل الغنائم، فالجهاد إنما شرع للهدف الذي ذكرته، لكن لأن المسلمين سوف ينشغلون بالجهاد أحلت لهم الغنائم، أما الأمم السابقة فكانت الغنائم عليهم حراماً.

في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {غزا نبي من الأنبياء فلما خرج بقومه قال لهم: اسمعوا! لا يتبعني رجل بنى بامرأة وهو يريد أن يدخل بها ولم يدخل بها} فرجل قد عقد على امرأة وما دخل عليها مشغول البال معها، فهذا ليس لنا فيه حاجة: {ولا رجل بنى داراً ولما يبني سقفها} أي: يشتغل بعمارة بناء، فالخاطر مشغول مع البناء، والمهندس وعمال البناء وكذا وكذا، فهذا لا حاجة لنا به: {ولا رجل اشترى غنماً أو خلفات وهو منتظر نتاجها} فمن عنده غنم وإبل حوامل وهو ينتظر ولادتها فلا يتبعني: {فرجع من كان كذلك وما بقي مع هذا النبي إلا الصفوة} ولذلك لما اقترب هذا النبي من هذه القرية خاف من غروب الشمس، فخاطب الشمس وقال لها: {أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا -ونحن المؤمنين نصدق بهذا لأننا ندرك أن الذي سير الشمس قادر على إيقافها- فتوقفت الشمس، فهجم هذا النبي على أعدائه وانتصر عليهم، فجمعت الغنائم -وكان الأولون من بني إسرائيل وغيرهم، منهم من لم يشرع له الجهاد أصلاً، ومنهم من شرع له الجهاد ولكن لاحظ لهم في الغنيمة، فكانوا إذا غنموا شيئاً جمعوه فأتت نار من السماء فأحرقته- فجمعوا الغنائم فعلا وأتت النار من السماء لتأكل هذه الغنائم فلم تأكلها، فقال هذا النبي عليه الصلاة والسلام: فيكم غلول -أي: إن أناساً أخذوا من الغنائم شيئاً سراً- ليبايعني من كل قبيلة رجل -فأمر كل قبيلة أن يبايعه منها ممثل- فبايعه من كل قبيلة رجل، فلصقت يد رجل بيد النبي، فقال: فيكم الغلول، لتبايعني هذه القبيلة رجلاً رجلاً، فلصقت بيده يد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول أنتم غللتم، فأخرجوا لهذا النبي بذرة من الذهب بقدر رأس بقرة، فوضعها مع الغنائم فأتت النار فأحرقتها، ثم أحلها الله تبارك وتعالى لنا؛ لأن الله تبارك وتعالى علم ضعفنا وعجزنا وحاجتنا فطيبها لنا} .

فهكذا يقول صلى الله عليه وسلم، فأحلت هذه الغنائم لهذه الأمة لأنها جزء لا يتجزأ من مهمة الجهاد الشرعي الذي وضعه الله تبارك وتعالى وشرعه لهذه الأمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015