إذا عرفت ذلك، عرفت قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار} .
انظروا أيها الإخوة: هناك فرق بين من سمع باسم محمد صلى الله عليه وسلم، وباسم الإسلام وبرسالة الإسلام, وبين لم يسمع.
من مات وقد عرف الإسلام وعرف القرآن وعرف محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم مات غير مسلم فهو قطعاً من أهل النار خالداً مخلداً فيها أبداً, لا يطمع له بنجاة, ولا يجوز أن يدعى له بالمغفرة بحال من الأحوال.
وقد سألت عائشة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما في صحيح مسلم عن رجل من أهل الجاهلية يقال له عبد الله بن جدعان وكان هذا الرجل كثير الصدقة، كثير الصلة، كثير العتق، محسناً إلى الناس حتى أنه عقد في بيته حلف في الجاهلية لنصرة المظلوم, والاقتصاص من الظالم, وحماية الضعيف, مما يدل على أنه رجل كان يحب الإحسان إلى الناس, فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول أرأيت ما كان يفعله عبد الله بن جدعان في الجاهلية, هل ينفعه ذلك؟ فأجابها الرسول صلى الله عليه وسلم: {كلا يا عائشة، إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} , يعني: مات لم يسلم ولم يدعُ الله عز وجل، ولم يتوجه إلى الله بالعبادة، فلا ينفعه ما كان عمل, لأنه لم يهتدِ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
فكل من سمع بالإسلام، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، ثم لم يتبعه, نقطع له بأنه من أهل النار، وفى الحديث الآخر الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار} , أما الإنسان الذي لم يسمع بالإسلام أصلاً، ولم يعلم بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم, أو لم يكن أهلاً لذلك، كمن مات وهو طفل, أو مجنون, أو في بلد بعيد لم يعرف الإسلام ولم يدرِ عنه شيئاً, أو في زمن الفترة, فهذا لا يقطع له بأنه من أهل النار, إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.
فهناك فرق بين من علم وبين من لم يعلم, وهناك فرق بين من سمع وبين من لم يسمع, فالكلام الذي تسمعونه أيها الإخوة في خطب الجمع, وفى المحاضرات, في الكلمات وفى جميع المناسبات, سواء من كلام الله تبارك وتعالى، أو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم, أو من كلام أهل العلم والوعاظ والمهتدين, يجب أن تعلموا أنه إما حجة لكم أو عليكم.
وهذا يجعل الإنسان من جهة حريصاً على استماع المواعظ والحضور إليها، ولكن يجعله من جهة أخرى حريصاً على أن يفهم ماذا يقال فيها، وأن يطبق ما يقال ليكون الكلام حجة له لا حجة عليه.