دلالة هذه الخصائص على المركز القيادي للأمة

الوقفة الرابعة في هذه الخصائص -وهي مهمة-: أن هذه الخصائص تؤكد على المركز القيادي الذي بوأه الله تعالى لهذه الأمة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وبعثت إلى الناس كافة -أو إلى الناس عامة-} فهذه إشارة إلى أن هذه الأمة لا يمكن أن تتقوقع على نفسها أو ترضى بأن تعيش في صحرائها وجزيرتها أو بلادها، فرسالة هذه الأمة رسالة عالمية، ولذلك كان في الآيات المكية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] حتى يوم كان الإسلام محصوراً في أفراد معدودين في مكة، كان الوحي يتنزل: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] فمهما كان الواقع الذي تعيشونه الآن لكن لا بد أن تفهموا أن مهمتكم مهمة عالمية، ورسالتكم للبشرية كلها وللإنسانية كلها، وهي ليست محصورة في بلد معين، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {وبعثت إلى الناس عامة} وبالمقابل يقول صلى الله عليه وسلم: {ختم بي النبيون} فهذا إشارة إلى أنه ليس هناك أمة من أمم النبوات، ومن أمم الهدايات ستتصدر البشرية على الإطلاق، فبنو إسرائيل قد تصدروا البشرية وقتاً من الأوقات.

ولذلك قال الله عز وجل: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية:16] أي: على عالم زمانهم، فكانت الهداية فيهم وقتاً من الأوقات، فقادوا البشرية فيها، وبغض النظر عن فشلهم في هذه القيادة والأخطاء التي ارتكبوها، فالمهم أنها نزعت منهم القيادة وسلمت إلى الحنفاء من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولا تنزع منهم هذه القيادة الربانية.

وقد ترتفع أمة من الأمم بحضارتها الدنيوية وبعلمها المادي، فهذا قد يحدث كما هو واقع الآن، لكن هاتوا لنا أمة هدت البشرية بعد الأمة المحمدية.

ولذلك لما تأخر المسلمون عن دورهم القيادي صارت البشرية تتخبط في دياجير الظلمات، ففقدت السعادة، وفقدت الخلق، وفقدت الدين، ولذلك وصلت في هذا العصر من الانهيار والفساد والتخبط إلى مستوى أصبحوا هم يتبرمون ويتضجرون منه، وهناك كتب عديدة -مطروحة اليوم في الساحة- كتبها علماء غربيون مختصون تصرخ بأقوالهم: إن حضارتكم إلى انهيار وإلى زوال، وحتى بعض المفكرين المسلمين الذين كانوا مخدوعين بهذه الحضارة، اقتنعوا بهذه الحقيقة وأصبحوا يؤكدون عليها، كما فعل المفكر الجزائري مالك بن نبي وغيره.

والحضارة الغربية حضارة تنظر بعين واحدة، فهي حضارة المادة لكن الروح في خواء، لماذا؟ لأنه ليس هناك أمة هداية ربانية تقود البشرية، ولذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم وآخر الأمم، وهو صلى الله عليه وسلم ختم به النبيون، كما ختمت الأمم بأمته، ويستحيل أن توجد أمة تهدي البشرية غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يحصل أن يهدي البشرية -مثلاً- الهنود؛ لكن متى؟ حين يحملون الإسلام.

وبذلك يكونون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يهدي البشرية أيُّ أمة من الأمم -أعني: عرقاً من العروق، أو جنسية من الجنسيات- متى ما حملوا الإسلام، ولكن الأدلة مع ذلك تؤكد على أن الأمة العربية أيضاً سوف تضطلع بدور كبير في مسألة هداية البشرية في المستقبل كما فعل أسلافهم في الماضي، والحديث في هذه القضية أيضاً خارج عن موضوعنا إنما هو مجرد إشارة.

ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {أعطيت مفاتيح الأرض} وهذا إشارة إلى أن هذه الأمة سوف تعطي من النصر والتمكين ما يجعل الدنيا ملكاً لها، وفي حديث آخر في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: {بينا أنا نائم أوتيت مفاتيح الأرض -أو مفاتيح خزائن الأرض- حتى وضعت في يدي} وفي حديث ثوبان في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها} وفعلاً انتشرت الفتوح الإسلامية في المشرق وفي المغرب أكثر مما انتشرت في الشمال والجنوب.

وعلى كل حال الحديث يوحي بأن الأمة الإسلامية سوف تهيمن على البشرية كلها أو جلها، وهذا حدث مرة واستمر ردحاً طويلاً من الزمن، ولا يعني أنها انتهت هذه البشائر النبوية؛ لأن هذه الوعود التي وعدها النبي صلى الله عليه وسلم ليست متوقفة عند وقت معين، بل نصوص القرآن والسنة تعمل في كل وقت، وليست منسوخة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015