انشغال بعض المسلمين ببعضهم عن العدو المشترك

الأثر الثالث: هو انشغال بعض المسلمين ببعضهم عن العدو المشترك كما ألمحت إليه قبل قليل، فلينم العدو قرير العين فإن سهام المسلمين قد وجهت إلى صدورهم ونحورهم، أقول: هذا فيما لو تحقق ما تمناه الأعداء، وإلا فنحن نطمع أن يجمع الله كلمة أهل السنة والجماعة على أمر سواء، وأن تكون سهامهم موجهة إلى صدور عدوهم.

غالباً يدرك الإنسان من عيب القريب ما لا يدرك من عيب البعيد، ولذلك يشتغل بعيب القريب أكثر مما يشتغل بعيب البعيد!! طلاب العلم مجالسهم غالباً مع بعض، وأحاديثهم مع بعض، وأسفارهم مع بعض، ولذلك يدرك بعضهم عيوب الآخرين فتجده يتحدث فيها؛ لأنه أدركها وعايشها، ورأى أنه لا بد أن يوضح ما في فلان من العيب فيشتغل بإيضاح عيب فلان، والعكس بالعكس لكنَّ الآخرين من: الشيوعيين، والعلمانيين والحداثيين والقبوريين والصوفية وأعداء الإسلام، وأصناف المرتدين، بحكم أن طالب العلم والداعية لا يختلط بهم ولا يواجههم لا يدري ما هي عيوبهم، وهو مشغول عنهم ببيئته الخاصة وجوِّه الخاص، وبالتالي ربما سلموا منه ولم يسلم منه أخوه المسلم.

ولذلك يعجبني أن عبد الله بن المبارك رحمه الله سمع رجلاً يغتاب رجلاً في مجلسه، فقال له عبد الله بن المبارك: يا هذا أغزوت الروم؟! قال: لا.

قال: أغزوت فارس؟! قال: لا.

قال: أغزوت السند والهند؟! قال: لا، قال: سلم منك الروم وفارس والسند والهند ولم يسلم منك أخوك المسلم!! وهذه حكمة ينبغي أن يضعها الداعية نصب عينيه، فلا يجوز أن يسلم منك الصوفي، والقبوري، والبدعي، والخرافي والمرتد، ولا يسلم منك أخوك المسلم، فتسلط عليه سهام السب والنقد والتجريح والتنقص بحق وبغير حق؛ حتى لو كان ما تقوله فيه حقاً، لكن ينبغي أن ترفق به وتسلك معه بدلاً من الغيبة أسلوب النصيحة، وما أجمل أن يأتيك إنسان ويقول: فيك كذا وكذا، لكن لو سمعت أن فلاناً يقول فيك هذا في ظهرك لوجدت في نفسك عليه، فالمناصحة هي البديل الشرعي عن الغيبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015