السبب الثالث: هو ضعف التربية عند شباب الإسلام، فضعف التربية وعدم الخوف من الله جل وعلا ورعاية الأمانة التي ائتمنهم الله تعالى عليها، والله الذي لا إله غيره إن الإنسان الذي يحس بواقع الأمة الإسلامية، وآلام المسلمين في كل مكان، والحاجة الملحة إلى التصحيح وجمع الكلمة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يوجد في قلبه من الرغبة الصحيحة في ذلك ما يدعوه إلى الالتزام بمنهج سليم يجمع ولا يفرق، وبعض الناس تحس أنهم فقدوا الشعور بالخوف من الله تعالى في هذا الجانب، وفقدوا الشعور بالأمانة التي ائتمنهم الله عليها، فأصبح لدى بعضهم رغبة وشهوة في مخالفة الآخرين ومنابذتهم واتهامهم بأنهم فعلوا وقالوا وغير ذلك من الأشياء، أو أن يصنع الواحد منهم من الحبة قبة -كما يقال- فيجعل من القضية الصغيرة قضية كبيرة موجبة للمنابذة والتفرق العملي الواقعي، مع أن الأمر قد لا يستدعي كل هذا، فالذي يوجد عنده خوف من الله تعالى يستطيع أن يتغلب على بعض أسباب الخلاف، ولذلك أهل السنة والجماعة على مدار التاريخ كانوا دعاة وحدة وليسوا دعاة فرقة!! وانظر إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في موقفه من خصومه؛ فقد شهروا به، وسبوه وشتموه وكفروه، وألفوا كتباً ضده، وحاولوا حتى أوقعوه في السجن، وأصدروا فتاوى بجواز قتله، ووشوا به إلى السلاطين، وقضى شيخ الإسلام جزءاً غير قليل من حياته في غياهب السجون، وأوذي وطرد وأوذي تلاميذه وأتباعه، وحرقت كتبه، ومع ذلك كان رحمه الله يواجه ذلك كله بروح تلقَّاها عن سلف هذه الأمة، عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، فكان يعفو عمن ظلمه، ويقول: إنه في حل مني، ولا يسمح بالنيل منهم، ويطلب من تلاميذه الكف عنهم وعدم الوقيعة فيهم.
وإذا استشاره أحد من السلاطين في الإساءة إلى الفقيه الفلاني وهو الذين أفتى في الأمس بقتله، قال: لا يجوز ذلك، وإن كان أفتى بقتلي فإنه لا يجوز قتله، وهو مسلم دمه وماله وعرضه حرام وإن كان أخطأ في حقي أو في حق غيري، ولا يصدر منه في حق أحدٍ منهم لفظ التكفير.
فضرب بذلك أروع المثل في الموقف الصحيح لإنسان يخاف الله تعالى واليوم الآخر، ويراقب الله تعالى في هذه الأمة التي هي أمانة في أعناقنا جميعاً.
أما أنه حين يوجد ما يدعو إلى المفارقة والمخالفة، كإنسان صاحب بدعة غليظة، قبوري أو مشرك أو صوفي غالٍ أو رافضي فلا كرامة لهؤلاء جميعاً، لكن حين يوجد أخوك المسلم الذي يتفق معك في الأصول والفروع وهو من أهل السنة والجماعة، وقد يخالفك في موقف عملي، أو في قضية، أوفي رأي حول شخص ثم تجعل من هذا الأمر مدعاة لمفارقته، فهذا لا يجوز.