السبب الثاني: هو الالتفاف حول شخص معين، فكثيراً ما يجتمع مجموعة من طلاب العلم حول شيخ، أو مجموعة من الدعاة حول داعية يكون نشيطاً وسابقاً في هذا المجال، فيصبح هؤلاء عبارة عن مريديه، ينظرون إلى الدنيا من خلال هذا الداعية، أو الشيخ الذي تتلمذوا على يديه، ويعتبوون أن قوله حق لا يحتمل الخطأ، وإذا رضي عن شخص رضوا عنه، أو سخط على آخر سخطوا عليه! وهنا جاء البيت العربي الذي يقول: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد إذا غضبت عليك بنو تميم رأيت الناس كلهم غضابا فربط هؤلاء الناس عواطفهم ومعتقداتهم وآراءهم وتصوراتهم بفلان، بحيث أن كل ما قال تقبلوه، وقد يقول القول اليوم فيقبلونه، فيرجع عنه غداً فيرجعون، فرفع الأفراد فوق منزلتهم، وفوق قدرهم وهذا انحراف كبير جداً وخطير.
وبعض الكبار أو القادة، من الذين لهم منزلة يفرحون بهذا، يفرح الواحد أن حوله مجموعة لا يخالفون له رأياً، ولا يعملون عملاً إلا بعد الرجوع إليه وأخذ رأيه، ولا يعترضون عليه في قول، سواء كان في قول ما يتعلق بحكم شرعي أو واقعي، أو غير ذلك، يرتاح الإنسان أن من حوله مطاوعون له على طول الطريق، ويأنس لذلك، فيتربى هؤلاء الناس على هذا الأمر، وبالتالي يقع الانحراف.
لكن الإنسان الناصح لنفسه ولدينه، لا يرجو ويعمل على إيجاد الاختلاف والعناد والمناقشة، والأخذ والرد، لكن يربي الناس على أن يكون لديهم اعتزاز بآرائهم وعقولهم، واستقلالية في أشخاصهم، بحيث يعرض عليهم القول ويطلب منهم المناقشة في هذا القول، ولا يلزمهم برأيه وقوله.
كما أن على دعاة الإسلام والشباب بصفة خاصة، ألا يقدسوا شخصاً مهما كانت منزلته، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يؤخذ منه كل ما قال به، لأنه لا ينطق عن الهوى، أما من دونه فيؤخذ من قوله ويترك كما كان مالك رحمه الله يقول: ما منا إلا راد ومردود عليه، ما منا إلا من يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
إذاً لا داعي أن ننظر إلى الدنيا كلها من قبل شخص معين، رأينا أنه مخلص مضحٍ متفانٍ قوي الشخصية وبعض الناس قد يعرض لك الباطل بصورة الحق؛ لأنه إنسان قوي الشخصية، بارع الأسلوب، عنده إمكانيات بلاغية وبيانية ومواهب، فإذا تحدث لسانه ويده وشخصيته ومكانته في نفوس السامعين مؤثرة بحيث أنه قد يحول الخطأ إلى صواب.
فينبغي أن ينتبه الداعية إلى أن يستفيد من الكبار والسابقين، لكن لا ينصهر فيهم وتضيع شخصيته فيهم، بحيث يصبح شأنه معهم كما قال أبو حامد الغزالي: كالميت بين يدي مغسله ليس له رأي ولا اختيار، فلا ينبغي هذا!