السبب السادس: التعصب والهوى: والتعصب والهوى من أسباب الاختلاف؛ وذلك أن الأمة بليت عبر تاريخها الطويل بألوان من التعصب، مثلاً جاء وقت من الأوقات بليت الأمة فيه بالتعصب المذهبي، فكان كل فئة أو طائفة تتعصب لإمام من الأئمة الأربعة أو غيرهم، فتعتبر أن أقواله حق، فمثلاً: كان الحنفية يقول أحدهم: الحمد الله الذي جبلني على التعصب لإمام من القرون التي شهد الرسول صلى الله عليه وسلم بخيريتها أي: يحمد الله أن الله جبله على التعصب لـ أبي حنيفة.
والشافعية كان منهم من يعتبر أن اتباع الإمام الشافعي واجب لأن الشافعي قرشي مطلبي، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {الناس تبع لقريش} .
والمالكي يرى وجوب اتباع الإمام مالك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: {يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدوا عالماً أعلم من عالم المدينة} ويقول: إن عالم المدينة هو الإمام مالك فيجب اتباعه.
وهكذا بقية الأئمة المتبوعين، فالحنابلة، وأتباع الإمام الثوري، أو ابن المبارك، أو الأوزاعي، أو غيرهم، يوجد منهم من يقعون في التعصب لإمامهم، ولا شك أن الأئمة أنفسهم يرفضون التعصب ويحاربونه، بل هم يرفضون التقليد أصلاً، ويقول قائلهم: [[لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً وللـ الشافعي وخذ من حيث أخذوا]] خذ الدليل من الكتاب والسنة، ويقول الإمام أحمد كما نقل عنه: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] .
إذاً الأئمة يرفضون التقليد أو التعصب، والتقليد قد يكون ضرورة أحياناً، لكن الشيء الخطير هو مسألة التعصب والهوى، بحيث إن الإنسان يرجح قولاً على آخر، ليس لأن الدليل معه! وليس لأنه الحق! لكن لأنه قول فلان! فليس هناك دليل، بل مجرد تحكم وهوى وتعصب، وليس هناك أحد يرجح قوله، أو يقبل قوله؛ لأنه فلان، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي إذا قال قولاً وجب قبوله والأخذ به.
أما بقية الناس ولو كانوا أئمة فلا يجب أخذ أقوالهم لذواتهم، وكيف نأخذ -مثلاً- قول الشافعي، أو مالك، أو أبي حنيفة، بالقبول والتسليم، إذاً لماذا لا نأخذ قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود، وفلان بن فلان من فقهاء الصحابة، ونرجحه على غيره، الواقع أن ترجيح قول على آخر لمجرد أنه قول فلان بن فلان هذا إهدار للعقل البشري، وإهدار قبل ذلك للنص الشرعي، حتى يصل الحال ببعضهم أنهم يقولون: أصبحت نصوص القرآن والسنة تقرأ للبركة فقط، وإلا فالعلم يؤخذ من كتب الفقه، وهذا لا شك أنه غلط كبير.
وهذا اللون من الاختلاف العلمي هو اختلاف مذموم، لأنه مبني على التعصب والهوى، وليس على الاجتهاد والنظر في الدليل.