الدافع للحديث عن خصائص الأمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي جعل نبينا خير الأنبياء، وجعل أمتنا خير الأمم، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس.

فإن هذه الأمة قد اختارها الله عز وجل واصطفاها وأخرجها للناس، لا لنفسها فحسب بل للبشرية كلها، لتخرج هذه الأمة الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربها إلى صراط العزيز الحميد.

والدافع للحديث في هذا الموضوع أن هذه الأمة في هذا العصر بل ومنذ قرون قد أصبحت في ذيل القائمة، باعتبار وجودها وقوتها وعزتها وتمكينها في الأرض، وذلك بسبب ضعف تمسكها بهذا الدين، وضعف التزامها به، فتقدمتها أمم أخرى كانت تعيش على فتات موائدها، وكما قيل: تقدمتني أناسا كان أكثر شوطهم وراء خطوي إذا أمشي على مهل وبذلك أصبح كثير من أبناء هذه الأمة، ينظرون إلى الأمم الأخرى نظرة إكبار وإعجاب وتقدير بل وتقديس أحياناً، وكيف لا يكون ذلك في زعمهم ونظرهم وهم يعتبرون أن هذه الأمم -الأمم الكافرة من الرومان والأمريكان والروس وغيرهم- قد تقدمت في مضمار الحضارة والعلم المادي وسبقت الأمة الإسلامية سبقاً بعيداً، في الوقت نفسه الذي أصبحت هذه الأمة ليس لها وجود يذكر في واقع الحياة، لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الدنيوية العلمية والعملية.

فلا هي الأمة التي تهدي الناس بهدي الله جل وعلا، وتنير لهم طريق الحياة، وتصدر لهم الخلق الفاضل والسعادة القلبية -تخلت هذه الأمة بطبيعة الحال مؤقتاً- ولا هي بالأمة المتقدمة علمياً وحضارياً ومادياً أيضاً.

وهكذا ترتب على هذا الوضع انسلاخ كثير من شباب هذه الأمة عن هويتهم الإسلامية، وأصبح كثير منهم يتحدثون عن الآخرين حديث المعجب الذي ملأ الإعجاب عليه جوانحه وعقله، فأصبح يُكِنُّ للأمم الأخرى كل تقدير وإعجاب، وينظر إلى الأمة التي ينتسب إليها نظرة ازدراء، حتى إنك تقرأ في ملامح بعضهم، وتحس في أحاديثهم، وكتاباتهم، وقصائدهم أن كثيراً منهم يشعرون بالخجل من انتسابهم لهذه الأمة، وكأن الواحد منهم ينتسب إلى أب لا يحب أن ينتسب إليه، فيتحسس من هذه النسبة ويستحي منها.

نعم، في المسلمين اليوم من يخجل أن يجاهر بأنه مسلم، خاصة في بعض المواقع وفي بعض المجالس وفي بعض المواقف، فقد يقول أنا عربي على استحياء أيضاً، ولكن الشيء الكبير الذي يهمه هو أن يظهر أمام الآخرين بأنه إنسان مثقف ومتحضر، وأنه يتابع أحدث أخبار الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي والمادي، وأنه قد ضرب بسهم في العلوم الدنيوية، وأنه إنسان عاش في أوروبا كذا سنة، وعاش في أمريكا كذا سنة ودرس في الجامعة الفلانية، وصديقه هو الدكتور فلان وفلان من الشخصيات الغربية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015