بعض الأحاديث في خصائص الأمة

الحديث عن خصائص هذه الأمة مهماً؛ لنعيد الثقة لأنفسنا بأنفسنا، ولنعيد الثقة لشبابنا بهذه الأمة التي ينتسبون إليها، ولنبين للجميع أن هذه الأمة أمه مختارة فعلاً، وأن الله عز وجل قد ميزها بخصائص وسمات ليست لغيرها، وهذه الخصائص والسمات لها شأن كبير.

وسأقف معكم وقفات مهمة في شأن هذه الخصائص لكنني أشير قبل ذلك إلى بعض الأحاديث الواردة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بعض ما ميز الله به هذه الأمة، أو ميز بها نبيها صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم وعلى سائر الأنبياء.

فمن ذلك -مثلاً- ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي} والمعنى خمس خصائص: {نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة} فذكر عليه الصلاة والسلام هذه الخصائص الخمس، وهذا الحديث لا يعني بحال أن الخصائص التي لهذه لأمة ولنبيها المختار عليه الصلاة والسلام خمس فقط، بل هذا العدد كما يقول الأصوليون ليس له مفهوم.

ولذلك جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {فضلت على الأنبياء بست -وذكر أربعاً من هذه الخصائص- ثم ذكر أنه ختم به النبيون عليه وعليهم الصلاة والسلام، وأنه أوتي جوامع الكلم} وكذلك في حديث حذيفة في صحيح مسلم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل على الأنبياء بثلاث وذكر اثنتين، وقال: {وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة} فهذه ثمان خصال الآن.

وكذلك في حديث حذيفة عند النسائي وابن خزيمة بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من خصائصه: أنه أعطي هذه الآيات من أواخر سورة البقرة، وهي قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] أو قول الله: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:284] إلى آخر السورة.

وكذلك في حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أعطيت أربعاً وذكر منها: أنه سُمي أحمد، وأعطي مفاتيح الأرض، وجعلت أمته خير الأمم} وليس هذا فحسب، بل ورد خصائص أخرى كثيرة منها: مغفرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومنها: أن الله تعالى جعل بيده لواء الحمد يوم القيامة يحشر تحته آدم فمن دونه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنها أن الله تبارك وتعالى أعان النبي صلى الله عليه وسلم على شيطانه فأسلم، وذلك كما في قوله عليه الصلاة والسلام: {ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير} ومن ذلك الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] وقد صح في الحديث أنه نهر في الجنة، وعلى كل حال الكوثر هو الخير الكثير، ومن الكوثر ذلك النهر ومنه غيره من الخصائص والفضائل التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حوضه عليه الصلاة والسلام، إلى غير ذلك من الخصائص والفضائل والمميزات، حتى إن أبا سعيد السمعاني صنف كتاباً سماه: شرف المصطفى، جمع فيه ستين خصيصة لهذا النبي المختار عليه الصلاة والسلام، وكذلك صنف الحافظ الضياء المقدسي كتاباً في ذلك، وهو لا يزال مخطوطاً في المكتبة الظاهرية بدمشق.

وينبغي أن نفرق بين خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته على الأنبياء والأمم الأخرى، وبين خصائص النبي على أمته، بمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام وأمته لهم خصائص على غيرهم من الناس، وهي ما تحدثت عنه، وهناك خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم على أمته، مثل كونه صلى الله عيه وسلم يحق له أن يتزوج بأكثر من أربع -مثلاً- ومثل كون نسائه لا يجوز أن يتزوجن بعده: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} [الأحزاب:53] إلى غير ذلك من الخصائص الكثيرة والكثيرة جداً.

وقد صنف فيها العلماء، حتى إن الحافظ أبا عبد الرحمن السيوطي صنف فيها كتاباً اسمه الخصائص جمع فيه ألف خصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وهذه الخصائص ليست كلها مُسلَّمة، فبعضها مما يدعي بعض العلماء فيه الخصوصية والواقع أنه ليس خاصاً به عليه الصلاة والسلام، كما ادعى بعضهم خصائص للنبي عليه السلام لم تثبت له بل هي عامة له ولأمته؛ لأن القول بالخصوصية لا يثبت إلا بدليل كما هو معروف، وبعض العلماء إذا تعارض عندهم حديثان؛ قالوا: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال بعضهم -مثلاً- في الركعتين بعد الوتر أن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، وكما قال بعضهم في الركعتين بعد العصر التي كان يحافظ عليها صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: هذه خاصة به، وعلى كل حال فالقول بالخصوصية لا يثبت إلا بدليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015