قدم المهدي وهو خليفة المسلمين، فبعث إلى مالك بألفي دينار أو ثلاثة آلاف دينار، ثم أتاه بعد ذلك الوزير فقال: إن أمير المؤمنين يحب أن ترافقه إلى بغداد عاصمة الإسلام وقصبة الخلافة، فقال الإمام مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون} والمال عندي على حاله، يعني لا أذهب مع الخليفة إلى بغداد، فإنني أبقى في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لِمَا ورد من الفضل في سكنى المدينة والموت بها، وأما إذا كان الخليفة أعطاني هذا المال حتى يشتري به ضميري وذمتي، ويضغط عليّ من أجل أن أتخذ قراراً في صالحه، فالمال عندي بِصُرَته وحاله، فبإمكاني أن أعيده إليه، هذا موقف عظيم.
وله مواقف أخرى، قال الإمام مالك: [[والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه إلا نزع الله هيبته من صدري]] .
عَظُمَ الله تعالى في قلب الإمام مالك، ورزقه الله تعالى هذا العلم العظيم الشريف النبيل، فهان عنده أهل الدنيا، فكان لا يراهم كما يراهم الناس، ولا يغتر وبهذا الصولجان وهذه المكانة، وإنما كان الله تعالى ينزع هيبة أهل الدنيا من صدره، فيراهم كسائر الناس، بل ربما رآهم أقل من غيرهم شأناً، فلا يهابهم ولا يداهنهم في حق، ولا يجاملهم في دين.